فخامة الكلمة على منبر الأمم المتحدّة
كتب أنطوان فضّول
الكلمة التي ألقاها فخامة الرئيس جوزاف عون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حملت في طياتها نبرة وطنية واضحة ورسائل إيجابية ركزت على دور لبنان ورسالته في العالم.
فقد استهل فخامة الرئيس خطابه بالعودة إلى الجذور التاريخية للبنان في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من خلال الفيلسوف شارل مالك، مذكّرًا المجتمع الدولي بأن بلده كان وما زال في صلب المسار الحقوقي العالمي، وأن لبنان يستمد قيمته من مساهماته الفكرية والإنسانية قبل أن يكون مجرد ساحة سياسية.
هذا التذكير أعطى للخطاب بُعدًا أخلاقيًا ورساليًا عزّز مكانة لبنان كبلد صغير بمساحة، كبير برسالته ودوره.
فخامة الرئيس شدّد على أن التجربة اللبنانية أثبتت أن لا تنمية بلا سلام، ولا سلام بلا عدالة، ولا عدالة بلا حقوق إنسان، رابطًا بذلك بين قيم إنسانية كبرى وتجربة بلده الخاصة، ليقدم لبنان كنموذج حي للتعددية والعيش المشترك.
وقد استعاد في هذا السياق كلام البابا يوحنا بولس الثاني حين وصف لبنان بأنه أكثر من بلد، بل رسالة في الحرية والتعددية، مؤكّدًا أن هذه الرسالة لا تزال صالحة وتشكل ضرورة للمنطقة والعالم.
أراد فخامة الرئيس من خلال كلمته أن يبرز تفرد لبنان كنموذج يجمع بين مسيحيين ومسلمين متساوين في الحقوق والواجبات، ضمن نظام دستوري يحفظ المواطنة ويتيح التطوير المستقبلي.
وبهذا المعنى، كان حديثه رسالة طمأنة للعالم بأن لبنان ليس فقط ساحة أزمات، بل أيضًا أرضًا لرسالة التلاقي التي تستحق الحياة والدعم الدولي.
كما عبّر فخامة الرئيس عن فخره بلبنان وأبنائه المنتشرين حول العالم، الذين يشكّلون ركيزة أساسية في تعزيز صورة وطنهم ومكانته، مبرزًا أن اللبناني أينما حلّ يترك أثرًا ثقافيًا أو فنيًا أو معرفيًا يكرّس صورة لبنان كبلد الإبداع والتفاعل الحضاري.
وأكد أن لبنان قادر على مواكبة العصر، من خلال خطوات إصلاحية تشمل التعافي الاقتصادي، الشفافية المالية، تعزيز استقلالية القضاء، والانخراط في الاتفاقيات الدولية التي تؤكد انسجامه مع الشرعية الدولية.
وفي الوقت نفسه، شدّد فخامة الرئيس على التزام لبنان بتعزيز الحريات العامة ومكافحة خطاب الكراهية وتمكين الشباب والنساء، معتبرًا أن كرامة المواطنين هي حجر الأساس لأي نهضة حقيقية.
كما أشار إلى دور التعليم والاستثمار في المعرفة، ليؤكد أن مستقبل لبنان سيكون مرتبطًا بالانفتاح على اقتصاد المعرفة والتطور العلمي.
الخطاب في جوهره حمل رسالة وطنية متماسكة أراد من خلالها فخامة الرئيس أن يقدّم صورة لبنان كبلد استثنائي، يعيش رغم التحديات، ويصرّ على أن يكون مساحة حياة وفرح ونموذجًا في الحرية والتعددية، موجّهًا نداءً إلى العالم بأن لبنان يستحق البقاء، ويستحق أن يقف الجميع إلى جانبه، لا من باب الشفقة، بل من باب المسؤولية الإنسانية المشتركة تجاه رسالة أرادها التاريخ للبنان، وأرادها اللبنانيون لأنفسهم وللمنطقة وللعالم.