إيطالي لقيادة اليونيفيل وسط الضبابية الميدانية.
كتب أنطوان فضّول.
في لحظة إقليمية حرجة تتقاطع فيها التوترات العسكرية على الحدود الجنوبية مع التحولات السياسية داخل لبنان، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تعيين اللواء ديوداتو أبانيارا من إيطاليا رئيسًا وقائدًا لبعثة "اليونيفيل"، خلفًا للجنرال الإسباني أرولدو لازارو ساينز، الذي تولّى المهمة خلال واحدة من أعقد المراحل وأكثرها اضطرابًا في تاريخ البعثة الأممية.
يأتي هذا التعيين عشية الاستحقاق السنوي لتجديد تفويض قوات اليونيفيل في مجلس الأمن، وفي ظلّ ارتفاع منسوب المخاوف من عدم مرور التجديد بسهولة، أو من تعرض التفويض لتعديلات تطاله في جوهره، سواء من حيث قواعد الاشتباك أو الصلاحيات أو حجم الانتشار، في ظل تزايد الضغوط من أكثر من جهة معنية بالملف.
اختيار ضابط إيطالي لتولي قيادة القوات الدولية ليس تفصيلاً تقنيًا.
فإيطاليا، التي تملك واحدة من أوسع وأعرق التجارب ضمن منظومة اليونيفيل، لطالما مثّلت عنصر توازن دبلوماسي وعسكري في الجنوب اللبناني، خصوصًا بالنظر إلى علاقتها الهادئة مع مختلف الأطراف المحلية، وحرصها على عدم الانخراط في تجاذبات إقليمية أو أجندات سياسية تتجاوز إطار المهمة الأممية.
ويمثل اللواء أبانيارا، شخصية ذات وزن في محاولات التهدئة وإعادة رسم قواعد التنسيق بين القوات الدولية والجيش اللبناني من جهة، وبين اليونيفيل والمجتمعات المحلية من جهة أخرى، خاصة بعد أن توترت هذه العلاقة إثر تعديلات القرار 1701 في السنوات الأخيرة، وما رافقها من اعتراضات سياسية وشعبية.
تخوض قوات اليونيفيل، منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية - الفلسطينية في غزة في أكتوبر الماضي، اختبارًا عسيرًا في الجنوب اللبناني، حيث يكاد الخط الأزرق يتحول إلى جبهة مشتعلة بشكل يومي.
وقد شهدت الأشهر الماضية حوادث ميدانية عديدة كادت أن تطيح بالحياد التقليدي لهذه القوة، وسط تصاعد المخاطر التي تهدد أمنها وسلامة عناصرها، بعد أن باتت في مرمى نيران قد تُستغل سياسيًا أو أمنيًا من أكثر من طرف، وتدفع إلى صدامات مباشرة، لا تنسجم مع طبيعة مهمتها في الفصل والمراقبة وحفظ الاستقرار.
في ظل هذا الواقع، يصبح أي خلل في صيغة التمديد المقبلة، أو أي عبث بدورها، مغامرة محفوفة بالعواقب، ليس فقط على وجودها، بل على الأمن الجنوبي برمّته، وعلى شبكة التوازنات الدولية التي ما زالت تؤمّن مظلة حماية دقيقة وهشة في آن.
من جهة أخرى، يرزح لبنان تحت وطأة غياب أي رؤية استراتيجية موحّدة إزاء الدور الأممي في الجنوب.
وقد تراجعت قدرة الدولة على الإمساك بالملف أو حتى المشاركة الفاعلة في رسم مستقبله، ما يجعلها عرضة للضغوط الخارجية، وتحديدًا من الدول المساهمة في اليونيفيل أو من القوى الكبرى في مجلس الأمن.
وثمّة خشية من أن يؤدي غياب الموقف اللبناني الموحد إلى إضعاف موقع بيروت في التفاوض على شروط التمديد المرتقب في آب المقبل، خاصة إذا ما أصرّت بعض الدول على تشديد الرقابة، أو توسيع نطاق التفتيش، أو تقييد حركة المقاومة في بعض القرى الحدودية، وهي عناصر تشكل مفاتيح اشتباك سياسي وأمني في كل مرة.
تعيين قائد جديد لليونيفيل يفتح صفحة جديدة، لكنّها تأتي في كتاب قديم تتجدد فيه الأزمات ولا تُحل.
فالجنوب مهدد أمام تآكل المرجعيات الدولية التي تضبط إيقاع الاشتباك وتمنع الانفجار.
وفي وقت يواجه فيه لبنان عجزًا داخليًا وشبه عزلة خارجية، يصبح من الضروري تعزيز موقعه في إدارة هذه المهمة الدولية لا انتظار ما يُفرض عليه منها.
لذلك، لا يُقرأ تعيين اللواء أبانيارا بمعزل عن معركة التمديد، ولا عن اختبار النيات الدولي، بل بوصفه جزءًا من معادلة أكبر: إما أن تنجح الأمم المتحدة، مع لبنان، في تثبيت صيغة توازن تحفظ الاستقرار، أو أن تُترك القوة الدولية تتآكل تدريجيًا، ليُفتح الجنوب على احتمالات يصعب احتواؤها.