الزيارة الرئاسية إلى قبرص

كتب أنطوان فضّول.
زيارة الرئيس اللبناني جوزاف عون إلى قبرص يوم الخميس 10 تموز 2025، تندرج ضمن سياق إقليمي ودولي بالغ التعقيد، وتعكس محاولات الدولة اللبنانية لإعادة التموضع الدبلوماسي والانفتاح على محيطها القريب، ولا سيما الشريك القبرصي الذي تربطه بلبنان مصالح مشتركة في أكثر من ملف، أبرزها ترسيم الحدود البحرية، والتعاون في مجالات الطاقة، الأمن، الهجرة غير الشرعية، مراقبة شرق المتوسط.
تأتي الزيارة في أعقاب التفاهم المبدئي بين بيروت ونيقوسيا على ترسيم الحدود البحرية، وهي خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز حق لبنان في موارده البحرية من الغاز والنفط، وضمان عدم وجود تعارض مع الاتفاق القبرصي-الإسرائيلي.
قد يكون الرئيس عون سعى من خلال هذه الزيارة إلى إضفاء طابع رسمي ودبلوماسي على هذا الاتفاق وإرساء قواعد للتعاون المشترك في التنقيب والطاقة قبرص تعتبر لبنان بوابة عبور للمهاجرين واللاجئين، خاصة في ظل الأزمات المتفاقمة في سوريا ولبنان.
من المؤكد أن ملف ضبط الحدود البحرية والحدّ من الهجرة غير الشرعية شكّل بندًا أساسيًا في المحادثات، إذ أإن قبرص تواجه ضغطاً أوروبياً لمعالجة تدفق اللاجئين وتحتاج إلى تنسيق وثيق مع بيروت.
تُعدّ قبرص أحد المنافذ اللبنانية نحو الاتحاد الأوروبي، ولبنان في حاجة ماسة اليوم إلى علاقات أوروبية متينة تُساهم في فك العزلة الاقتصادية والسياسية التي يمر بها.
بالتالي، تسعى الزيارة أيضاً إلى توظيف العلاقة مع نيقوسيا كجسر عبور نحو شراكات أوروبية جديدة.
لا بد أن يكون البحث قد طال ملفات شرق المتوسط، والتوتر اللبناني-الإسرائيلي، ومهمة قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل)، بما أن قبرص تملك موقعاً استراتيجياً قريباً من الجنوب اللبناني، ولها دور في توازنات المنطقة الأمنية.
توقيت الزيارة جاء بعد تسليم بيروت ردّها للمبعوث الأميركي على الورقة بشأن وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وفي ظل تدهور أمني متصاعد جنوباً.
هذا يشير إلى أن الزيارة لم تكن فقط تقنية أو ثنائية، بل جزء من شبكة تحرّكات إقليمية ودولية تهدف إلى ضبط إيقاع الأزمة اللبنانية – الإسرائيلية، وتحصين موقف لبنان التفاوضي.
من ناحية أخرى، لبنان يعاني من أزمة مالية خانقة، وتسعى السلطة السياسية فيه إلى فتح أبواب دعم جديدة، سواء على شكل استثمارات، أو عبر وساطات دبلوماسية تتيح له تنفس الصعداء.
من النتائج الظاهرة للزيارة: .
تثبيت اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص وتأكيد الالتزام المتبادل بعدم إلحاق ضرر بالمصالح المشتركة في منطقة شرق المتوسط.
التوافق على آليات تنسيق أمني وبحري، سواء في مواجهة الهجرة غير الشرعية أو في حماية الموارد البحرية.
وضع أسس لتعاون اقتصادي وتقني مستقبلي، قد يشمل ملف الكهرباء، الطاقة الشمسية، التعليم، والاستثمارات في المرافئ.
تعزيز صورة لبنان كدولة منفتحة على الحوار الإقليمي، في مقابل الصورة المنغلقة أو المرتبطة في سيق جيوسياسي، لبنان محكوم بالتجاذب بين أطراف داخلية مرتبطة بمحور الممانعة، بينما قبرص ترتبط بمصالح أوروبية وأميركية.
هذا يُضفي نوعًا من الحذر السياسي على العلاقة، ويحدّ من اندفاعها.
يخشى القبارصة من أن تتحوّل بيروت إلى نقطة انطلاق ضاغطة للمهاجرين، ما يُعقّد التعاون ما لم يكن هناك ضمانات أمنية وتنفيذية.
أي تطوّر سلبي في العلاقة بين لبنان والاتحاد الأوروبي (مثلاً بشأن حقوق الإنسان أو الإصلاحات المالية) قد يؤثر على العلاقات الثنائية.
العلاقات اللبنانية – القبرصية مرشّحة للتوسّع والتعميق في حال استقرت الأوضاع السياسية في لبنان، وتمكّن من بلورة رؤية سيادية واضحة في ملف الطاقة والحدود.
قبرص قد تتحول إلى شريك إقليمي نموذجي للبنان، نظراً لقربها الجغرافي، وارتباطها بالاتحاد الأوروبي، وحيادها النسبي في النزاعات الكبرى.
تطوير التعاون في مجالات الأمن البحري، التعليم، الطاقة المتجددة، والاقتصاد الرقمي يمكن أن يحوّل العلاقة إلى نموذج ثنائي منتج، لا مجرد تحالف تقليدي.
زيارة الرئيس جوزاف عون إلى قبرص لم تكن عادية، بل تعبّر عن سعي لبناني لإعادة وصل ما انقطع مع بيئته الإقليمية والدولية.
إنها خطوة استراتيجية باتجاه أوروبا والبحر المتوسط، في لحظة لبنانية شديدة التأزم والتعقيد.
نجاح هذه المبادرة مرتبط بقدرة لبنان على تقديم رؤية واضحة، وبالاستفادة من نافذة قبرص التي لا تزال مفتوحة رغم عواصف الشرق الأوسط.