زيارة مقدّسة تتوّج انطلاقة عهدين

كتب أنطوان فضّول:
تتجه الأنظار إلى لبنان مع الإعلان عن موعد زيارة قداسة البابا لاوون الرابع عشر، في حدثٍ يحمل دلالات تتجاوز الطابع البروتوكولي إلى عمق الرمزية الروحية والسياسية، إذ تأتي الزيارة في مستهل عهدين جديدين: عهد الحبر الأعظم في الفاتيكان، وعهد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في لبنان.
هي لحظة تتقاطع فيها بداية الأمل الكنسي مع بداية الرجاء الوطني.
تحمل الزيارة رسالة تضامن مع الكنيسة في الشرق، وتأكيدًا من الفاتيكان على التزامه التاريخي بدعم مسيحييه، من منطلق إنسانيّ جامع.
فلبنان، في نظر الكرسي الرسولي، يبقى النموذج للتعددية والعيش المشترك، أرض الرسالة التي لا تزال تنبض رغم جراحها.
سيوجّه البابا في زيارته دعوةً إلى ترميم الثقة بين المكوّنات الروحية، وإعادة الروح إلى الكنيسة المشرقية التي عانت من الهجرة والاضطراب.
سياسيًا، تأتي الزيارة في مرحلة يسعى رئيس الجمهورية إلى تثبيت دعائم الاستقرار واستعادة ثقة الداخل والخارج.
وهو لن يتأخر في تظهير رؤيته الوطنية أمام ضيفٍ يمثل السلطة الروحية الأعلى في العالم الكاثوليكي، ما قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الانفتاح والعلاقات الدولية المتوازنة، خصوصًا وأن حضور البابا يشكل دعمًا معنويًا للعهد، ورسالة إلى المجتمع الدولي من أجل إبقاء لبنان في وجدانه.
في البعد الإقليمي، تتزامن الزيارة مع تحولات كبرى في المنطقة، من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إلى أزمات سوريا والعراق، ما يمنحها بعدًا سلاميًا بامتياز.
إذ يسعى الفاتيكان عبرها إلى تجديد نداء الحوار والاعتدال، في زمنٍ بات فيه صوت العقل خافتًا أمام ضجيج السلاح والانقسامات.
وسيستفيد الحبر الأعظم من وجوده في بيروت كي يطلق دعوته إلى وقف العنف وإحياء التضامن الإنساني فوق كل الانتماءات.
في المقابل، تُلقي الزيارة مسؤولية على اللبنانيين أنفسهم.
فحضور البابا بينهم يضعهم أمام امتحانٍ أخلاقيّ ووطنيّ: هل سيستقبلونها كفرصة للتماسك والتلاقي؟ إن المطلوب اليوم ليس استقبال البابا فقط، بل استقبال رسالته التي تدعو إلى المصالحة مع الذات.
زيارة البابا إلى لبنان في لحظة تتقاطع فيها الحاجة إلى الرجاء مع الحاجة إلى الدولة، تتجاوز البروتوكول لتلامس جوهر الكيان اللبناني نفسه.
ومن المتوقع أن تترك بصمتها في وجدان اللبنانيين، وتعيد إلى العالم شيئًا من صورة لبنان التي عرفها يومًا: بلد الأرز، بلد الرسالة، بلد اللقاء بين الروح والعقل.