الأفق الملبّد بين الحكومة اللبنانية والثنائي الشيعي.

كتب أنطوان فضّول.
في أوائل آب 2025، قرّر مجلس الوزراء تكليف الجيش بوضع خطة تضمن أن تكون «اليد الأمنية للدولة» هي الوحيدة الحاملة للسلاح، محدداً مهلة لإنجازها خلال الشهر نفسه، على أن يتحقق الهدف المتمثل بـ«السيادة على السلاح» مع نهاية العام.
القرار أثار استياء شديداً لدى حزب الله الذي وصفه بـ«الخطيئة الجسيمة»، فقاطع وزراؤه الشيعة الجلسة وانسحبوا منها، معلنين أنهم سيتعاملون مع القرار كما لو أنه غير موجود، مع إبداء استعداد لمناقشة إطار أمني أوسع شرط الحصول على مكتسبات ميدانية معينة.
في المقابل، سارع التيار المؤيد للثنائي الشيعي إلى التنديد والتحذير، وشهدت بعض المناطق تحركات احتجاجية محدودة، بينما حثت جهات دولية، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، الحكومة على المضي في تنفيذ خارطة الطريق، مما خلق انقساماً داخلياً بين من اعتبر القرار استعادة للسيادة ومن رآه خضوعاً لمصالح خارجية.
المشهد السياسي والأمني اتسم بانقسام داخل السلطة التنفيذية، حيث اتُّخذ القرار من دون توافق طائفي وسياسي واسع، وأعاد التذكير بهيكلية المحاصصة، فيما فتح انسحاب الوزراء الشيعة الباب أمام الطعن الدستوري والسياسي وإمكانية شلل مؤقت في عمل المجلس.
حزب الله اعتمد استراتيجية مزدوجة تجمع بين الرفض الصريح والتهدئة النسبية، إذ ترافقت التصريحات القاسية مع دعوات لضبط النفس وفتح قنوات تفاوض مشروطة، ما يعكس رغبة في تجنّب مواجهة داخلية شاملة مع الحفاظ على الموقف الاستراتيجي.
ورغم وجود خطر انزلاق أمني، فإن التقديرات تشير إلى أن الاحتمال الأكبر يتمثل في احتجاجات محلية ومناورات سياسية، مع بقاء احتمال التصعيد العسكري على الحدود قائماً إذا شعر الحزب بفرض تنفيذ القرار قسراً دون ضمانات أمنية.
الضغوط الدولية تلعب دوراً حاسماً، إذ إن ربط القرار بأهداف خطة أميركية أو دولية يجعله جزءاً من صفقة إقليمية أوسع، وهو ما يزيد من حساسية الشركاء المحليين الذين يرون أن أي خطوة منفردة تمثل خسارة استراتيجية.
أما على مستوى قدرة الجيش، فإن ضعف الإمكانات التقنية والسياسية يجعله عاجزاً عن تنفيذ إدماج تسليحي أو ضبط شامل للسلاح من دون سياق سياسي واضح وبدائل أمنية فاعلة، ما قد يؤدي إلى فشل الخطة أو خلق فراغ أمني.
التداعيات المحتملة على الساحة الداخلية تشمل سياسياً زيادة الاستقطاب داخل الحكومة، وتعطيل الجلسات، واحتمال إعادة تشكيل تحالفات مؤقتة، مع تراجع قدرة السلطة التنفيذية على اتخاذ قرارات اقتصادية حساسة.
أمنياً، قد تحدث احتجاجات محلية ومواجهات محدودة، فيما يبقى خطر الخروقات على الحدود قائماً.
اجتماعياً واقتصادياً، يمكن أن يتسبب عدم الاستقرار في هروب الاستثمارات وتسريع هجرة الكفاءات، مما يضعف جهود التعافي بعد الحرب.
دبلوماسياً، يقف لبنان بين ضغط أميركي غربي وتأثير إيراني إقليمي، وأي إخلال بالتوازن بين هذين الطرفين قد يجر البلاد إلى أزمات أعمق.
الخروج من الأزمة يتطلب خطة من مراحل ثلاث.
على المدى القصير، يمكن إعلان تجميد تنفيذ الإجراءات لمدة شهرين مع تأكيد مبدأ سيادة الدولة كهدف بعيد المدى، وتشكيل لجنة فنية سياسية مصغرة تضم ممثلين عن الرئاسات والجيش والثنائي والمعارضة وجهات دولية، لوضع خارطة طريق متوازنة تتضمن جدولاً زمنياً وضمانات أمنية ومقايضات متبادلة، مثل تقليص الوجود العسكري في مناطق حدودية مقابل انسحاب إسرائيلي وتعزيز دور اليونيفيل.
على المدى المتوسط، يجب تحويل الخطة إلى آليات قابلة للقياس تحدد نوعية وكميات الأسلحة ومناطق التطبيق، مع آليات تفتيش مشترك وضمانات تحكيم، إلى جانب دعم قدرات الجيش تدريباً وتجهيزاً بالتوازي مع خطوات تخفيف عسكري تدريجي من جانب حزب الله.
أما على المدى الطويل، فينبغي دمج التحول الأمني بإطار سياسي يشمل معالجة ملفات الحدود بإشراف دولي، وتعزيز دور الأمم المتحدة، وإصلاح المؤسسات الأمنية الداخلية بما يقوي ثقة مختلف المكوّنات بالدولة، مع تسوية سياسية تمنح قواعد حزب الله ضمانات أمنية وتنموية، خصوصاً في الجنوب والبقاع.
نجاح هذه الخطة يظل مرهوناً بوجود ضامن دولي موثوق، وبنصوص واضحة وجداول زمنية محددة، وبإجراءات حقيقية لتقوية الجيش من دون إقصاء شعبي.
أما الفشل فقد ينتج عن فرض حلول أحادية بالقوة، أو ربط التنفيذ بمطالب إقليمية غير مؤمّنة، أو إخضاع العملية لمواعيد انتخابية وشعبوية.
الخطوات العاجلة التي ينبغي على صناع القرار تبنيها تشمل وقف أي تنفيذ فوري وفتح نافذة تجميد قصيرة لتهدئة التوتر، وإطلاق لجنة تفاوض شاملة بإشراف دولي، وربط أي خطوة بنصوص دولية ملزمة، إضافة إلى إطلاق برامج تنموية فورية للمناطق الأكثر ارتباطاً بملف السلاح، بما يقلل من حساسيته كقضية شعبية.