ماذا بعد دخول الولايات المتحدة الحرب وتفجير المواقع النووية الإيرانية الثلاثة؟

كتب أنطوان فضّول: في تطوّر خطير وغير مسبوق، دخلت الولايات المتحدة رسميًا على خط الحرب، مستهدفةً بثقلها العسكري المواقع النووية الإيرانية فوردو ونطنز وأصفهان، بضربات جوية دقيقة أفضت إلى تدميرها.
تحوّل نوعي في مسار الحرب بين إسرائيل وإيران، مع انخراط أميركي مباشر، يفتح الباب أمام سلسلة من التداعيات الإقليمية والدولية.
بمجرد إعلان واشنطن مسؤوليتها عن تنفيذ الضربات، تهاوت كل الخطوط الحمراء التي كانت تضبط إيقاع المواجهة بين طهران وتل أبيب ضمن حدود "الردع المتبادل" و"ضبط النفس المدروس".
دخول الولايات المتحدة الحرب ينقل المواجهة من حرب بالوكالة إلى حرب مباشرة، حيث أصبحت واشنطن طرفًا فاعلًا لا مجرد داعم لحليفتها إسرائيل.
هذا يعني أن سقف التصعيد بات مفتوحًا، وأن المنطقة دخلت فعليًا في نفق مظلم.
ردّ إيران لم يتأخر، إذ أعلنت التعبئة الكاملة لقوات الحرس الثوري وهددت بردّ "واسع ومؤلم" لا يستثني القواعد الأميركية في الخليج والعراق وسوريا.
لكن طهران تجد نفسها الآن أمام خيارات شديدة الحساسية: فإما أن ترد بقوة وتخاطر بتوسيع رقعة الحرب إلى مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة، أو أن تكتفي بردود محسوبة لا تُفقدها توازن الردع مع خصومها.
الخيار الثاني قد يُفسَّر ضعفًا، لكنه قد يمنحها فرصة لاحتواء الخسائر، بانتظار تحولات في الموقف الدولي.
من جهتها، تبدو إسرائيل أكثر ارتياحًا بعد الضربات الأميركية، معتبرة أن كسر المشروع النووي الإيراني كان هدفًا مشتركًا، وقد تحقق.
لكنها تعلم في قرارة نفسها أن هذا "النصر" العسكري لا يلغي الأخطار المقبلة، بل يؤجلها.
فإيران لن تنسى بسهولة ما حصل، وحلفاؤها في اليمن ولبنان وسوريا والعراق قد يتحولون إلى أدوات انتقام في أي لحظة.
كما أن احتمالات توسع دائرة النار باتت مرتبطة بأي خطأ في التقدير أو توقيت الرد الإيراني.
أما دول الخليج، خصوصًا السعودية والإمارات وقطر، فأمام معادلة صعبة: من جهة لا ترغب في اندلاع حرب مدمرة على حدودها، ومن جهة أخرى لا تستطيع منع تداعيات الضربات الأميركية من الارتداد على أمنها.
المصالح النفطية في مضيق هرمز باتت مهددة، وحركة الملاحة البحرية تمر في لحظة دقيقة، مع تزايد المخاوف من عمليات استهداف بالصواريخ والطائرات المسيّرة.
ردود الفعل الدولية لا تزال تراوح بين القلق والدعوة إلى ضبط النفس، من دون أن تخرج عن الإطار التقليدي.
مجلس الأمن لم ينجح في عقد جلسة طارئة فاعلة، فيما تظهر الانقسامات الشكلية بين روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى.
أوروبا، التي طالما عوّلت على الحلول الدبلوماسية، وجدت نفسها اليوم خارج المعادلة، ما يُضعف من قدرتها على التأثير أو الوساطة.
المحور الذي تقوده إيران في المنطقة قد يستخدم الساحات المفتوحة في لبنان وسوريا للرد، ما ينذر بعودة التفجيرات الأمنية والعمليات الصاروخية إلى الواجهة.
حزب الله في لبنان، الذي التزم حتى الآن سياسة "الرد المحسوب"، قد يجد نفسه مضطرًا للتصعيد، في حال توسّعت الضغوط على طهران.
موقف افتراضي دونه الكثير من العقبات الداخلية والإقليمية والخارجية.
ما بعد الضربات الأميركية للمواقع النووية الإيرانية ليس كما قبلها.
المنطقة أمام احتمالين لا ثالث لهما: إما الذهاب نحو حرب إقليمية واسعة تعيد رسم التوازنات الاستراتيجية في الشرق الأوسط، أو ولادة مسار تفاوضي جديد على أنقاض الدمار، تفرضه الحاجة إلى تجنّب الأسوأ.
لكن في الحالتين، دخل الشرق الأوسط مرحلة جديدة، يتوقف شكلها ومضمونها على حسابات الردّ الإيراني وحدود التورط الأميركي.