الورقة اللبنانية الرسمية في انتظار توم باراك
كتب أنطوان فضّول.
في تطوّر سياسي يُنتظر أن تكون له تداعيات بالغة على مستقبل الوضع اللبناني الداخلي وعلى التوازنات الإقليمية، يزور الموفد الرئاسي الأميركي توم براك لبنان، حيث يلتقي في القصر الجمهوري، في محطة قد تشكّل منعطفًا دبلوماسيًا حاسمًا في مسار التفاوض حول الملفات الأمنية والسيادية العالقة، وعلى رأسها ملف سلاح "حزب الله" والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.
سيسبق اللقاء مع براك اجتماع ثلاثي رفيع المستوى، يجمع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون برئيسي مجلس النواب نبيه بري ومجلس الوزراء نواف سلام، لوضع اللمسات الأخيرة على الورقة الرسمية التي ستُسلّم باسم الدولة اللبنانية إلى الموفد الأميركي.
يُعدّ هذا الاجتماع مؤشّرًا نادرًا إلى وجود توافق داخلي على العناوين الكبرى، أو على الأقل إرادة لتقديم موقف موحد تجاه المجتمع الدولي في لحظة شديدة الحساسية.
تتضمن الورقة ثلاث نقاط أساسية تم التوافق عليها، على أن تكون الولايات المتحدة الأميركية هي الضامن لتنفيذها.
أولاً: تسليم سلاح "حزب الله" والسلاح غير الشرعي كاملاً، بما يكرّس مبدأ احتكار الدولة وحدها للسلاح، ويضع حداً لأي تشكيلات مسلحة خارج إطار الشرعية اللبنانية، هذه النقطة، رغم رمزيتها السيادية، تُعدّ الأكثر تعقيدًا من حيث التطبيق السياسي والميداني، خصوصًا في ظل تشابك دور "حزب الله" العسكري مع المعادلات الإقليمية في سوريا والعراق واليمن.
ثانيًا، انسحاب إسرائيل من التلال الخمس الحدودية، وهي نقاط تعتبرها الدولة اللبنانية خاضعة للاحتلال، على أن يتم الانسحاب بإشراف مباشر من "اللجنة الأمنية الخماسية"، التي تضم الولايات المتحدة، وفرنسا، والسعودية، وقطر، ومصر، إضافة إلى الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل"، هذا الانسحاب، سيمثّل إنجازًا سياديًا طال انتظاره، لكنه يرتبط جوهريًا بالتزام الطرف اللبناني بالبند الأول.
ثالثًا، وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، بضمانة أميركية - دولية واضحة، تُترجم من خلال آلية رقابة وتدخل فوري، بما يعكس انتقالًا في المقاربة الأميركية للملف الحدودي من الدعم المطلق لإسرائيل إلى دور الوسيط الضامن للتوازن، وتتضمن هذه النقطة أيضًا وعودًا بضمانات في ملف إعادة الإعمار، تُناقش على خط واشنطن - الرياض، ما يوحي برغبة جدية في ربط التهدئة بأفق تنموي واقتصادي ملموس.
الورقة، في مضمونها، تعكس محاولة متقدمة لتسوية كبرى تستهدف قلب المعادلة التي حكمت لبنان منذ العام 2006، والتي كرّست "حزب الله" كلاعب عسكري خارج رقابة الدولة.
غير أن توقيت هذه المبادرة، في ظل تزايد التوتر جنوبًا وتكثف الوساطات الدولية، يطرح تساؤلات حول مدى واقعيتها ودرجة استعداد الأطراف المحلية والإقليمية للالتزام بها.
من جهة الدولة اللبنانية، تبدو الرئاسات الثلاث متفقة على ضرورة تجنيب لبنان مزيدًا من الانهيار، وترغب بإحداث اختراق في الجدار السياسي المسدود، غير أن هامش المناورة محدود في ظل غياب توافق داخلي صلب حول سلاح "حزب الله".
أما من جهة الحزب، فإن قبوله بتسليم سلاحه يعني تخليه عن وظيفته الإقليمية وعن جزء كبير من نفوذه المحلي، ما يجعله متمسكًا إما بالمراوغة أو بالمقايضة مقابل ضمانات استراتيجية أكبر.
دوليًا، توحي الضمانات الأميركية والسعودية بأن ثمة تقاطعًا بين واشنطن والرياض لإعادة ترتيب الساحة اللبنانية ضمن رؤية استقرار ما بعد النزاعات، خاصة في ظل التفاهمات الإقليمية غير المعلنة بين إيران والغرب.
لكن يبقى السؤال: هل تكفي هذه الضمانات لإقناع الحزب وإسرائيل معًا بخفض منسوب التوتر والانخراط في تسوية شاملة؟
إن زيارة توم براك تأتي في لحظة دقيقة، والورقة اللبنانية تتضمن بنودًا غير مسبوقة في جرأتها ومضمونها، لكن نجاحها يتوقف على إرادة التنفيذ، وعلى مدى جهوزية كل الأطراف، داخليًا وخارجيًا، للذهاب حتى النهاية في خيار الدولة، والسيادة، والتسوية.
فهل تكون هذه الخطوة بداية مرحلة جديدة، أم مجرد محطة إضافية في مسلسل الفرص الضائعة؟ الجواب يبدأ بعد ظهر غد في القصر الجمهوري.