كاتيا مرعب
في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول والمنتدى الرقمي اللبناني إلى السيدة كاتيا الكسرواني مرعب
مختارة غدراس
من مواليد أنطلياس حيث نشأت وواكبت الحرب اللبنانية منذ فتوتها وتأثّرت عميقًا بما تسببت به من مآسٍ طاولت كافة القطاعات والميادين، فتحرّكت في سبيل تحصين المجتمع والدفاع عن مقوماته وحماية مرتكزاته.
أظهرت بتحركّها الواعي، نضجًا وطنيًا والتزامًا مسيحيًا وريادة في الإصلاح والتصحيح والرعاية الإنسانية.
في السنة 1998 انتقلت إلى غدراس بعد زواجها، وأكملت مسيرتها في عطاء إجتماعي وحركة إصلاحية تنموية لا تستكين، فقررت خدمة مجتمع تطفو على وجهه رواسب الحرب وتداعياتها.
تأهلت من مرعب مرعب ولهما ثلاث بنات وصبي، تعطيهم وجميعًا لا منّة في العطاء، فالعائلة عمومًا تحتل في فلسفتها الاجتماعية موقعًا محوريًا عابرًا نحو استقرار المجتمع ونموه الطبيعي وتطوره.
إستمدت من علاقتها بعائلتها وحيًا إنسانيًا ترجمته روحًا إنسانيًا شفافًا وحواراً يفيض عطاءً لا محدود.
وراء حركتها المشرقة يسكن سلام عميق نابع من إيمانها القوي. إذ قطعت وعداً بينها وبين الله ألا تتلكّأ بعملها مطلقًا، فنشطت منذ صباها في الجمعيات الثقافية والمنتديات الاجتماعية التي عرفتها عضوًا خلوقًا وقيادية تركت فيها أعمق الآثار وأغزرها.
إلى ذلك، تمتلك صوتًا طربيًا أصيلاً، على أصدائه تتفتح براعم الحياة، فتنسج في حنايا أعماقنا الهائمة في غياهب الدنيا ومجاهل الزمن الصعب، شعاعَ قوس قزح ينشلنا من غربة يومياتنا وتعقيدات حياتنا، ويسمو بنا إلى حيث تعجز العواصف عن الوصول، لتفتح أمام أعيننا آفاق السعادة نحو عوالم الأمل والرجاء.
بينها وبين الغناء الراقي حكاية ارتباط وُثقى، كتبت أبجديتها لغة الحب الدافئ وخلّدتها سيمفونية العطاء اللامحدود.
إنتسبت منذ السنة 1999، إلى نقابة الفنانين المحترفين التي أسّسها الفنان إحسان صادق، ونشطت في جوقة غدراس وتولت إدارة العلاقات العامة في مدرسة ميوزيك ستايل منذ السنة 2011.
غنت للجيش اللبناني مرات عدة وحازت درعًا تقديرية من قائد الجيش في حينه الرئيس العماد ميشال سليمان.
ويبقى صوتها بلوريًا، يعكس في داخلنا أنوار الفرح والغبطة، فهو ترنيمة الوديان وترتيلة السهول وأنشودة البحار. يمتلك سحرًا شرقيًا ورنّة مختلفة تولّدت من خامة مثقفة مكتنزة. وفي حضرة صوتها لا يمكنك إلا الصمت في خطوة نحو التحرر من كل قيد وكل قلق واضطراب.
أحبت غدراس كما بلدتها الأم أنطلياس حبًا ملتزمًا وعميقًا.
تربّت على خدمة أبنائها والتضحية في سبيل ازدهارها.
محطات حياتها عبقت بالخير وبذل الذات ونشر بذور المحبة والإلفة وروح المصالحة والأخوة داخل بيئتها وفي صفوف المجتمع الذي رافقها واحتضنها.
عطاؤها اللامحدود واضح وجليّ، وليس من أحد من أبناء غدراس ينكر ذلك، بل العكس، الجميع يجلّ عطاءاتها ويقدّر جهودها وشخصها، وهذا ما انعكس شبه إجماع على اسمها، وفوزًا في الإنتخابات الإختيارية في السنة 2016، فإذا بالخيار الجامع يقع عليها، وتنتخبت مختارة.
تلمّس الأهالي وجميع سكان البلدة عطاءاتها وثمّنوا تضحياتها، فاستقر الرأي على أن تتولى شؤونَها، بعد أن أدركوا فيها وجهًا يجمع إلى الحكمة والصيت الحسن، محبةَ الجميع واحترامهم.
بعد انتخابها عكفت على مساعدة البلدية والمجتمع، في تنفيذ برنامج إنمائي شامل للبلدة وجهدت شخصيًا على ممارسة واجباتها كمختارة على أكمل وجه.
كانت لافتة درجة اهتمامها بمتابعة كل الملفات والقضايا، بدون مقابل، حتى بدت كأنها تخصّها شخصيًا.
لها فلسفة خاصة بالحياة ، كان لها أثرها العميق في نفوس كل من رافقها وتعرّف إليها.
في طبعها الهادئ وتواضعها العميق تفهم مدى قلّة اكتراثها بالشعارات وضجيج الإعلام وكثرة الكلام.
في السياسة، وقفت على مسافة واحدة من جميع أبناء البلدة وجميع الأحزاب والجمعيات والأقطاب والفعاليات، وحرصت على أن يأخذ كل ذي حق حقّه.
أرادت أن تكون على علاقات ود وتفاهم مع جميع الأطراف في بلدتها والمنطقة.
ناشطة إجتماعية، لا سيما في حقل الحركات الرسولية، وفي جوقة الكنيسة.
حضورها الإجتماعي لا يقل أهمية عن نجاحاتها في الفن والتربية، ومبادراتها تخطّت مستواها الجغرافي الضيّق وإطارها المجتمعي المحدود لتلامس حاجات إنسانية ووطنية كبرى.
ناضلت من أجل تحرير المرأة، متمردة على التقاليد، لكن بعيدًا عن أي تحد عنفي، مطالبة بالمحافظة على بعضها وإسقاط بعضها الآخر لاسيما التمييز بين الجنسين.
أثبتت دور المرأة وقدراتها الإبداعية الخلاقة وأحقية مساواتها للرجل دون التنازل عن دورها كأم وربة بيت.
إمتلكت مخزونًا إنسانيًا واجتماعيًا كبيرًا تولّد نتيجة تعاطيها المباشر والمبكّر مع حاجات مجتمعها. إحتكت بقضايا الناس. في أسلوبها، سلام عميق نابع من إيمانها القوي. وسر نجاحها تلك النزعة إلى العطاء.
(إعداد: أنطوان فضّول)