عبد الهادي محفوظ رئيس المجلس الوطني للإعلام
في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى الأستاذ عبد الهادي حسن محفوظ
رئيس المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع.
ولد في الهرمل، الهانئة في قضاء بعلبك، في كنف عائلة كادحة وبيئة تلحّفت الحرمان، فقرر الانطلاق في مسيرة أقل ما يقال فيها إنّها انعكاس لإرادة التحدّي والنهوض والتحوّل.
من عمق طفولة لا تزال تحمل إلى ذاكرته الدفء والطمأنينة، إلى فتوة عاشت مخاضًا مع الوجود واختبرت كل أنواع المخاطر والصعوبات، وعاينت لبنان وهو يقع فريسة التحولات الجغرافية والسياسية المأساوية، مرورًا بشباب اكتملت فيه الرؤية المستقبلية وتحددت الخيارات؛ مسيرة تمددت على مساحة عقودٍ من القرنين العشرين والحادي والعشرين وتعتّقت بخوابي الفكر الأصيل.
حاز الإجازة في الحقوق والديبلوم في القانون الدولي العام من الجامعة اللبنانية. ودخل عالم الإعلام، صحافيًا متمرسًا، عمل في الصحافة صناعة وتحريرًا. أطل من خلالها على الجمهور اللبناني محدثًا ما يشبه النقلة النوعية في الأداء الإعلامي، ومساهمًا في إدخال ما يشبه الرؤية التجديدية إلى هذا القطاع.
كتب وحلل في السياسة على صفحات صحيفة النهار بين السنتين 1979 و2008. ترأس تحرير مجلة المنبر الإغترابية من 1986 حتى 1988. إلى ذلك، هو مؤسس ورئيس التحرير المسؤول لجريدة الشمس منذ العام 1991. وتوّج مسيرته في دنيا الصحافة باختياره رئيسًا للمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع منذ العام 2002 .
اقترن اسمه بالتحليل السياسي الرصين والثقافة المتمردة على الواقع الوطني القابض... ولا تزال بصمات فكره المتنوّر حاضرة في صحيفة "لسان الحال" التي دوّن على صفحاتها اجمل المقالات...
آمن برسالة الصحافة اللبنانية ودورها في إحياء العالم العربي ومساعدته في العبور إلى القرن الحادي والعشرين بثقة وواقعية.
انتفض على الرجعية والتخلّف والرتابة وحمل لواء الديمقراطية والتغيير والتحرر والأصالة التي عرف كيف يطوّعها مع روح التجديد والعصرنة.
لا تزال بصماته بارزة في دنيا الصحافة، فضلاً عن انه باحث في السياسة له دراسات عدة تتناول المسائل الإقليمية والإعلامية والسياسة الأميركية في المنطقة.
كان، ولا يزال أحد أحبّ الأقلام اللبنانية إلى قلوب العرب جميعًا، ومثالاً أعلى ليقظة الصحافة في الشرق.
إستطاع أن يُكوّن له شخصية مميزة، في ميادين الصحافة والفكر والحضور الثقافي والاجتماعي والوطني والقومي كما الإنساني.
لقد اعتصر فكره حبرًا على الورق أحاسيس إنسانية فذّة جسّدت طموحًا واسعًا، وإرادة وثابة.
مثقّف على ذكاء لمّاع. صادق، صريح، عفويّ، حرّ التفكير، متجرّد، حواريّ، يُقنعُ ويَقتَنِعُ. لم يزوّر حَجمَه، ولم يتوهّم، ولم يغترَّ.
عرفناه لبنانيًا عريقًا، عربيًا أصيلاً، عالمي الرؤية، إنساني الاتجاه، سفير الإعلام اللبناني الراقي على متن عقود القرن العشرين، ولا يزال.
إلى كونه إعلاميًا متميّزًا، هو أحد أبرز قادة التغيير الاجتماعي وأحد الوجود الاكثر شعبية... ساهم في تأسيس اللقاء التشاوري لبعلبك – الهرمل. أسس اللقاء التشاوري للنخب في المحافظات. واللافت في مبادراته الاجتماعية والإنسانية نجاحه في إحداث تغيير على مستوى الرؤية والقناعات...
تأثر عميقًا بشخصية الإمام موسى الصدر وبمسيرته الإصلاحية، فاستلهم منه الحكمة والتزم خطه ونهجه من أجل لبنان الواحد النهائي، ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وحقوق المواطنين المحرومين.
ولأنه كان مأخوذاً بحس المسؤولية تجاه مجتمع لبناني يعاني من الحرمان ويتكبد التضحيات، اتخذ قراراً محوره لبنان الوطن النهضوي السيد المستقل.
وإيمانًا منه بنظرية الإمام موسى الصدر السياسية والتزامًا بروحيتها، لا سيما لناحية كونها تطرح حلولاً لمشكلة المواطنة والفوارق الإجتماعية وتعزز فكرة الدولة. حاول نقل هذه النظرية الى مؤسسات المجتمع المدني عبر جمع أكثر من الف جمعية بين العامين 2004 و2005، تلتزم هذا الخط وتتبنى هذا المسار.
له اليد الطولى في اصدار ميثاق سياسي جديد يهدف الى اصلاح النظام السياسي وتجديده، عبر تبني الأسس التالية:
- تعزيز فكرة الدولة المدنية الجامعة والقادرة والعادلة.
- المواطنة على أساس أننا مواطنون في وطن لا مواطنين في طوائف.
- رفض الفتنة المذهبية وإدانتها واعتبارها ’’حالة اسرائيلية‘‘.
- سحب سياسات التحدي في العلاقات بين الطوائف وحل أي خلاف بالحوار وبتغليب المشترك.
- مواجهة الإنقسام السياسي والطوائفي الحالي بالتنازلات المتبادلة بين الفريقين 8 آذار و 14 آذار.
- تفعيل مؤسسات الدولة وتحريرها من الوصايات السياسية والطوائفية.
- الجيش والمؤسسات الأمنية ضمانة وحدة البلد والسيادة وضرورة تحصينهم من انعكاسات الخلافات داخل الطبقة السياسية.
- اسرائيل عدو مشترك لكل اللبنانيين. وتغليب التعارضات المحلية يصرف الصراع معها عن مساره الصحيح.
- تمثيل المرأة على مستوى القرار في السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
- ضرورة اعتماد الدولة رؤية لدور الشباب ومستقبلهم وتوفير فرص العمل لهم ومشاركتهم في القرار.
- تعزيز دور الجامعة اللبنانية والمدرسة الرسمية وحضورها في الأطراف والأرياف.
- إبعاد الثروة النفطية عن المحاصصات الطوائفية والمذهبية والمحسوبيات السياسية وتوظيفها لخدمة مستقبل الأجيال القادمة.
- ضريبة تصاعدية لتوفير حد أدنى من العدالة الإجتماعية.
- ضمان صحي واجتماعي وضمان الشيخوخة عبر تحويل جزء من أرباح المصارف والعقارات والأملاك البحرية.
- إحياء الطبقة الوسطى ضمانة للتوازن الإجتماعي والحد من الطوائفية.
- خطاب إعلامي هادئ وعزل الطوائفيين عن الشاشات.
- تبني فكرة الحل السياسي للأزمة السورية بغية تلافي تفتيت سوريا ومحيطها وبناء دولة ديمقراطية متطورة تعيد إلى المجتمع وحدته ودوره في المنطقة.
تخطّت أفكاره حدود الجغرافيا اللبنانية وتمددت على مساحةٍ ذات أبعاد إنسانية عامة، كما ألهمت الإنتلجنسيا العربية، بعد أن ساهم من خلال عمله الصحافي والإعلامي، في ترسيم رؤية تجديدية تستقي أسسها من تطور العصر وكنوز الحضارة واكتناه المعايير الإنسانية.
وشأنه شأن كل مثقّف عربي، قرر عدم الرضوخ للواقع أو الوقوف على الحياد، بل هو حمل لواء النهضة وسار في طريق التجديد. الأمر الذي أعطى حضوره دفعًا إستثنائيًا ومكانة خاصة بلورها نشاطه الرائد في رئاسة المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع.
أثبت قدرة إعجازية على القفز فوق تناقضات الواقع السياسي والالتفاف على تداعيات الحرب. وتمكن بحكمة واتزان ان يدير شؤون الإعلام وشجونه بعيداً عن التأثيرات الطائفية والحزبية والمناطقية.
لم ينحصر نشاطه النهضوي الاصلاحي في المدى اللبناني بل تخطّاه الى منابر انسانية تعدّت في بعضها حدود الجغرافيا اللبنانية لتلامس الإطار الإقليمي والآفاق الدولية.
يختزن في فكره المتنوّر تفاصيل دقيقة لمسيرة وطن تكوّن في الشرق الأوسط على أنقاض انتداب فرنسي، وعَبَرَ معه كل أنفاق القرن العشرين ومحطاته المحورية المتأتية من ترددات الحرب الباردة كما الصراع العربي الإسرائيلي وتداعيات القضية الفلسطينية، إضافة إلى الأزمات الداخلية والإقليمية المتراكمة والتي انفجرت في نهاية المطاف حروبًا شعواء، لم يسلم من شظاياها قطاع.
منذ ان بدأ احتراف الكتابة وهو يستقطب القراء وقد ساعدته صدقيته على جذب الفئة الشابة من المجتمع إلى حقول فكره الخصبة.
بأسلوبه المفعم بالحياة خاطب كل الاجيال. كما ان الانتلجنسيا اللبنانية والعربية أجمعت على ريادته.
كتاباته كادت ان تصبح للجرأة مقياساً وللموضوعية نبراساً وللشفافية مرآة. وهو يغوص الى أعماق الوقائع يقتنص ما تستر في الخفاء. فتخرج الحقيقة من يرقانة قلمه متعرية، ناصعة، متجردة، تلفظ أنفاسها العطشى الى الضوء، فوق تموجات أسطر يعشق العقل عزف سيمفونيتها والغوص بين ضفتيها.
(إعداد: أنطوان فضّول)