المقالة الرابعة والعشرون

مناعة لبنان في جرثومته.
ما لم يفهمه المحللون السياسيون لطبيعة لبنان المحيرة هذه وسببية استمراريته رغم وهن منظومته السياسية والاجتماعية والسلطة المركزية. هو أن لبنان كان ولا يزال معقل المخابرات الدولية وباب الاستعمار الدولي للشرق في العالم المعاصر.
أولاً يجب أن نفهم أن الحقائق السياسية لا تظهر للعيان، من يريد أن يرى الحقائق يجب أن يمتلك نظارات تشخص اللون البنفسجي وما دون الحمراء وترصد شعاعات اللايزر دون ان تحترق.
عشية اندلاع حرب الخليج سرت مخاوف من استعمال أسلحة جرثومية وبيولوجية من شأنها أن تلوّث الأجواء والبيئة وتشكل خطرًا على السلامة العامة وحياة المواطنين.
عندما طرح موضوع الإجراءات الوقائية التي يجب أن يعتمدها لبنان أعلن رئيس مجلس الوزراء يومها عمر كرامي مازحًا أن الشعب اللبناني بمنأى عن أي خطر تلوّث لأن لديه المناعة الكافية. ما هي تلك المناعة التي تحدّث عنها الرئيس كرامي؟
إستعدت هذه النكتة الكاريكاتورية البايخة لأقول أن مناعة الشعب اللبناني هي الأضعف في العالم. والتكاذب الذي يمارسه المسؤولون عندنا هو ما يضللنا ويبعدنا عن البحث واستقدام كل ما يحصن سلامتنا المجتمعية والسياسية.
لقد دمّروا بيروت، والنتيجة تمركزت فيها اليوم شركة أعادت وسطها التجاري إلى حالة أجمل من السابق هذا صحيح. لكن هذه المعجزة كما كان يتغنى بها تلفزيون "المستقبل" هل يستفيد منها عموم الشعب اللبناني غير التنزه والدوران حول ساعة ببغاء، تكرّر تعداد الوقت دون أن تهش وتنش.
لبنان في زمن الخير ووفرة البترول العربي كان محطة الرساميل العربية وبقي كذلك طوال عقدين من الزمن ثم سقط بنك إنترا فهربت الرساميل العربية إلى إنكلترا وسويسرا، وكل دولة تنتهي بحرفي را، ولم تعد إلى بيروت، مع أن الرئيس أمين الجميل حوّلها إلى بيروت الكبرى.
(بقلم: أنطوان فضّول)