مدينة زحلة

مدينة زحلة معلّقة على جانبي مضيق، من سفح قاعدة جبلي صنين والكنيسة.
يعبرها البردوني النابع من مغارة في سفح صنين، وقد انضمت إليه ينابيع عديدة.
تدخل مياه النهر مدينة زحلة، فتصطف لا ستقبالها أشجار الحور والزيزفون والعفص والوزال والقندول والبطم والصفصاف. ثم يتغلغل في عروس البقاع فيروي بساتينها وأشجار التفاح والكرز والخوخ والمشمش والإجاص والدوالي والزيتون والجوز واللوز والتين.
ودوالي زحلة تُصنّف بين الافضل في العالم.
إكرامًا للإله باخوس إله الخمرة بنى الرومان معبد بعلبك وغرسوا الكروم على امتداد البقاع من بعلبك حتى زحلة.
واليوم، تلك المساحة القصيرة من وادي البردوني جنوب شرق قرية وادي العرائش والممتدة على مساحة نصف كيلومتر، نالت شهرة عالمية.
عُرف القسم الزحلي من نهر البردوني بوادي العرايش واشتهر بمقاهيه ومطاعمه.
فندق القادري في زحلة ومباراة أول ملكة جمال
أقامت لجنة كينغ كراين في فندق القادري في زحلة مرات عدّة، قابلت فيها الشخصيات الزحلية واستمعت إلى آرائهم في تقرير مصير لبنان.
من فندق القادري أعلن الجنرال غورو توسيع مساحة لبنان قبل أن يعلن ذلك رسميًا في قصر الصنوبر في بيروت في 1 أيلول 1920.
أقيمن في هذا الفندق حفلات التكريم لأحمد شوقي وخليل مطران وأمين الريحاني وغيرهم كثيرين...
في العام 1935، جرت فيه حفلة انتخاب ملكة جمال زحلة وفازت الآنسة ألكسندرة ديب هراوي بهذا اللقب.
العام 1936، جرت أيضًا حفلة انتخاب ملكة الجمال وقد ورد في "زحلة الفتاة" ليل الأحد الفائت كان نزل القادري مسرحًا لغزلان الوادي وظبيات عروس لبنان، فجرت مباراة الجمال برعاية جمعية العائلات الكثيرة العدد.
وقد غص النزل الفسيح وقاعاته بالأسر الكريمة الفرنسية والوطنية.
واشتركت في المباراة سبع صبايا جميلات أخذن يتمخطرن أمام لجنة التحكيم المؤلفة من نخبة من السيدات والسادة فنالت لقب ملكة الإصطياف الآنسة أنجيل عزيز دواليبي الزحلية وقد نالت الجائزة الثانية الآنستان ماتيلد أبو اسحق المعلوف وأليس سكاف.
في العشرينيات من القرن العشرين دخلت السينما إلى زحلة، وكان ذلك حدثَا بارزًا إذ لم يكن حتى الراديو قد انتشر بعد.
وراح الزحليون والبقاعيون يتوافدون إلى دور السينما لمشاهدة الأفلام العربية والأجنبية.
وأخذت دور السينما تظهر في زحلة نذكر منها سينما الأوبرا وسينما نيوروكس وسينما دنيا.
وكان سعر بطاقة الدخول إلى سينما أوبرا التي بنيت في السنة 1927، خمسة قروش للشخص الواحد أو للزوج والزوجة معًا.

سوق البلاط في زحلة
في العام 1883، كان البدء بمد طريق العربات إلى المعلّقة، ثم تتابع العمل بمد طرقات العربات في معظم أحياء مدينة زحلة وحول منتزهاتها. وفي العام 1888، تم رصف سوق زحلة الرئيس بالبلاط، فسمّي سوق البلاط الذي اعتبر أكبر سوق في متصرفية جبل لبنان، وقد سمي سوق العز يومذاك. وذاع صيته في كل مكان، وقصده التجار من أنحاء المتصرفية والولايات العثمانية.
كان سوقًا متكاملاً للتجارة والصناعات المعروفة في ذلك العهد: ففيه تتم تجارة الحبوب على أنواعها وكذلك تجارة الخضار ومن الصناعات نذكر "جلالات الحمير وأسرجة الخيل والصياغة والخياطة إلى جانب السكافة والحدادة والبوظة والحلويات...
في العام 1895 تم إنجاز سكة الحديد بين بيروت ودمشق وحوران وتم بناء محطة لسكة الحديد في المعلّقة – زحلة.
كان لهذه المحطة ولسكة الحديد دور مهم في ازدهار مدينة زحلة ونموها وبخاصة في مجال تجارة الحبوب والمواشي.
وقد توسعت تجارة الزحليين لتشمل متصرفية جبل لبنان والولايات العثمانية وحتى أوروبا...
في العام 1898، قام إمبراطور ألمانيا غليوم الثاني وزوجته بزيارة إلى الدولة العثمانية زار خلالها مدينة بعلبك وتوقف في محطة سكة الحديد في المعلّقة. ونورد في ما يلي ما كتبه ابراهيم الأسود في كتاب "الرحلة الإمبراطورية في الممالك العثمانية". ولما بلغ الإمبراطوران بيت شاما (بعلبك) في طريقهما استمثلا لديهما اثنين من الفرسان الذين جريا في ركبهما وهما نجيب أبو علي المعلوف، وسليم جرجس مسلّم طقم فرسه الفضي. وأخذت جلالة الإمبراطورة الألمانية رسمهما بيدها الكريمة وأذنت لهما بالسير في موكبهما إلى المعلقة في زحلة من دون أن يعترضهما أحد. أما الميدالية الذهبية الممنوحة للفارس المعلوف فعلى أحد وجهيها صورة الإمبراطور راكبًا جواده وعلى الثاني شعاد دولة ألمانيا. وأرسلت الإمبراطورة إلى نجيب أبو علي المعلوف رسمه بواسطة المسيو لوتيكي قنصلها في دمشق".
كان لمدينة زحلة خلال عهد المتصرفية موقع فريد ومميز، فهي تتبع إداريًا متصرفية الجبل وهي بعيدة عنها، وتمتد أراضيها وبساتينها وأرزاقها ووجهتها إلى أراضي الولاية العثمانية الملاصقة لها. فهي تنفرد عن الجبل بأن وجهتها الشرق، وتنفرد عن البقاع بأنها بعيدة عن الحكم العثماني المباشر. هذا الوضع استفادت منه المدينة إلى أقصى الدرجات في المجالات الإقتصادية خاصة التجارة والزراعة والصناعة الحرفية. فهي تتعامل مع البقاع وتخزّن المنتوجات الزراعية لتتاجر بها مع المتصرفية الضيّقة والجبلية.
هذا الواقع أدى إلى ازدهار المدينة فزاد البناء فيها وكثرت الهجرة منها كما قويت حركة النزوح إليها.
عرف الزحليون كيف يجعلون المتصرفين يهتمون بمدينتهم.
وحافظوا على علاقاتهم الطيبة مع الأتراك العثمانيين في أراضي الولاية.
وقد برز اهتمام المتصرفين بزحلة في إنشاء المجلس البلدي العام 1875 وفي الإهتمام بشق الطرقات الرئيسة والفرعية، وبناء السراي العام 1888، وجر مياه نبع الزويتيني من قاع الريم لمد زحلة بمياه الشفّة. وفي هذا لامجال لا يسعنا إلا أن نذكر الدور الكبير ليوسف بك البريدي الذي كان العضو الكاثوليكي المنتخب من الزحليين في مجلس إدارة جبل لبنان.
الإزدهار الذي عرفته زحلة وحققته تجارتها وبخاصة بعد شق سكة الحديد أدى إلى تطور الفكر السياسي، إذ أخذت تظهر في زحلة تحركات سياسية غير بعيدة عن تحركات الوعي القومي في انحاء السلطنة العثمانية. يمكن إيجاز هذه التحركات بوجود تيار يميل إلى التعاون مع الدول الأجنبية وبخاصة فرنسا، وقد كانت فرنسا تدعم هؤلاء وتقدّم لهم الحماية كما حصل مع فارس جدعون الذي أسند إليه مركز ترجمان وكالة القنصلية في البقاع التي كانت في طور التكوين العام 1914.
وقد ظهر في زحلة أيضًا التيار العروبي الذي يطالب بإعطاءا لعرب حقوقهم المهدورة ضمن الدولة العثمانية.
وهذه التيارات السياسية كانت نتيجة للإتصالات الفكرية مع الجمعيات العربية التي ظهرت آنذاك وأشهرها الجمعية السرية "العربية الفتاة".