صور

صور على الشاطئ الشرقي لحوض البحر الأبيض المتوسّط في المنطقة التي عرفت نشأة الحضارة الفينيقية العريقة وازدهارها. بناها أهل صيدا، على ما تقول بعض المصادر، في القرن الثامن والعشرين ق.م. لتعرف بعد عشرين قرنًا ازدهارًا وعظمة لم يكن لهما مثيل في ذلك العصر. جذب ازدهار المدينة أطماع شعوب الشرق الأدنى القديم إليها، ما سبّب لها الكثير من المآسي والمصاعب التي كانت تعظم أو تصغر مع اختلاف الوقت والمعتدي.
أُنشِئت صور مع بداية الألف الثالث ق.م على مجموعة من الجزر المنتشرة على مسافة حوالى الثمانمئة متر من اليابسة. كانت نواة المدينة عبارة عن هيكل للإله ملكرت تحيط به تجمعات سكنيّة تعتمد في معيشتها على الصيد. أطلق الصوريون على مدينتهم اسم "صـُر" الذي يعني بالفينيقيّة الصّخر دلالة على الأرض الصخريّة القاسية التي بُنيت عليها. لم تلعب المدينة دورًا بارزًا في الألفيّتين الثالثة والثانية ق.م. فيما بلغت عصرها الذهبي مع حلول الألفيّة الأولى ق.م. إذ شهدت ازدهارًا عمرانيًّا وتجاريًّا وثقافيًّا كما لم يعرف تاريخ المنطقة من قبل. في بداية فترة الازدهار هذه، قام مَلكها أحيرام بوصل الجزر التي تمّ إنشاء المدينة عليها بعضها ببعض رادمًا جزءًا من البحر. أثار ازدهار صور أطماع شعوب الشرق الأدنى القديم من أشوريّين ومصريّين وفرس وغيرهم. هادنت حينًا بدفع الجزية وقاومت أحيانًا بأسوارها العالية، فحافظت بذلك على حريّتها. سجّلت صور في القرن السادس ق.م. رقمًا قياسيًا في فترة الصمود ضدّ الحصار، كان ذلك عندما حاول الملك البابلي نبوخذ نصّر احتلالها، فلم يستطع بسبب أسوارها المنيعة وقوّة دفاعاتها، فحاصرها مدّة ثلاث عشرة سنة ولم تسقط.
بنيت أسوار مدينة صور من الحجارة الضخمة تعلوها أبراج المراقبة والرمي. كانت الأجزاء العلوية من الأسوار مسنّنة بشكل يسمح للرماة بالرمي والاحتماء. توجد داخل الأسوار بوابة محصّنة أو أكثر تسمح بالدخول إلى المدينة والخروج منها. بنى الصوريون ميناءً رئيسًا لسفنهم من جهة الشمال وميناءً آخر من جهة الجنوب. كان مدخل الميناء الشمالي ضيّقًا، ومن الممكن منع أي سفينة أجنبية من عبوره باسطفاف بضع سفن صورية عرضياً، وقد تمّ بناء برجين على جانبيه لحمايته. ما زال جزء كبير من هذا الميناء موجودًا ومستعملًا إلى يومنا هذا، وهو يسمّى اليوم "ميناء الصيادين". الميناء الجنوبي كان أكبر ويمتاز أيضًا بوجود برجي حماية على جوانب مدخله. كان يتم تثبيت سلاسل حديدية ضخمة بين البرجين وشدّها لمنع السفن المعادية من دخول المرفأ.
مدينة جنوبية تقع على بعد 49 كلم من العاصمة بيروت كانت منذ بدايتها الفينيقية ملكة البحار واشتهرت بتراثها التجاري البحري الذي ذاع صيته وجماعته من مستعمراتها التي انتشرت في جميع انحاء المتوسط وامتازت بصناعة الارجوان والزجاج الشفاف. وكانت بحكم موقعها الجغرافي قبلة اطماع كبار الفاتحين بدءا من الملك البابلي نبوخذ نصر الى الاسكندر المقدوني ومن ثم تجاوزت هذه المدينة تعون حدودها الضيقة ويعود الفضل في ذلك الى توسع حركة هوم تجارتها ونشاط بحارتها الذين جابوا المتوسط ووصلوا الى سواحل الاطلسي فاسسوا المستعمرات والمحطات التجارية ومن بينها قرطاجة على الشاطئ التونسي الافريقي التي انشاوها حوالي العام 815 قبل المسيح ونتيجه للتنقيبات التي اجريت في نطاقها واسفلت عن نتائج هامة فقد بادرت منظمة اليونسكو في خطوة اولى لها وفي عام 1979 ميلادية الى ادراجها على لائحة مواقع التراث العالمي. وهي تحتضن معالم تاريخية واثرية متعددة ومميزة وفيها ناووس حجري ضخم يعود التاريخ الى العصر الفارسي وتروي تقاليدها المحلية انه قبر حيران المعمار الفينيقي الشهير الذي وضع تصميم هيكل سليمان. ولعبت سور دورا هاما في تاريخ المسيحية فقد زارها السيد المسيح وذكرت في العهد الجديد وكان اسقفها متقدما على كل اساقفة فينيقيا وتقع بالقرب منها قانا التي تمثل اهمية تاريخية. ويؤكد المؤرخ الكنسي اوزيب القيصري والقديس جيروم على انها قانا الجليل التي زارها السيد المسيح واظهر فيها اولى عجائبه محولا الماء الى خمر خلال عرس قانا الجليل ولم يكتشفها الباحثون حتى القرن التاسع عشر لانعزال موقعها وبعدها عن طرق المواصلات المالوفات هون. وتحوي على منحوتات عدة تعود الى العهود المسيحية الاولى اضافة الى اجاجين حجرية تتطابق بعددها وبسعتها مع اجاجين الاعجوبة الاولى للسيد المسيح.