المقالة الحادية والثلاثون

مسيرة المليون أم في بيروت.
متى تنطلق؟
بالأمس شهد لبنان ازدهارًا عمرانيًا، هذا الازدهار لم يحمل البحبوحة للشعب، بل العكس، لقد تزامن مع ارتفاع في حجم الدين العام.
وتراكم الديون رفع في كلفة خدمتها وصارت الخزينة عاجزة عن تسديدها.
هذا الواقع المأساوي انعكس سلبًا على الازدهار وأثّر بالقطاع الخاص الذي زادت الضغوط عليه مما أدى إلى بلبلة على المستوى المعيشي.
دخلنا القرن الواحد والعشرين كأول دولة في العالم تحتفل بتحرير أرضها من احتلال، لكن هذه النشوة سرعان ما ضاع بريقها في ضباب العاصفة الاقتصادية الخانقة.
أسوار دفاعاتنا تسقط الواحدة تلو الأخرى ولم يبق لدينا سوى مرجعية واحدة، ان انتظمت، غيّرت المعادلة السلبية بكاملها.
إنّها الأم اللبنانية، أملنا الباقي! مسيرة تنطلق في شوارع بيروت وكل المناطق، تضم في صفوفها ربع المجتمع اللبناني.
نحن لا نتحدّث عن بضعة ألوف من النساء ولا عن مئة ومئتي ألف، نحن نتكلم على مسيرة المليون امرأة في الشوارع.
نتحدّث عن نهضة الأم اللبنانية.
متى تنزل أمهاتنا إلى الشوارع ليزلزلن تحت أقدامهن عروش الظلم والمكر والفساد؟
متى ستشهد بيروت ام الشرائع شهادة الأم اللبنانية في الشوارع؟
شباب لبنان من كل المذاهب والطوائف والمناطق يتخرّجون من جامعاتهم لينضموا إلى صفوف العاطلين عن العمل.
رجال لبنان، باتت لقمة العيش تقوّض ظهرهم وتكاد تمتص آخر قافلة من امواج عرق جبينهم.
العائلة اللبنانية بدأت تنهار وتتفكك.
وبدأنا نشهد سقوط آخر دفاعات مجتمعنا.
فماذا تنتظر بعد امهاتنا؟
متى يتحرّكن صفًا واحدًا متكاتفًا، متشابك الأيدي، في شوارع عاصمتنا، مسلمات ومسيحيات، يخترقن ضباب دخان المازوت زيتنقلن بين مئات ألوف السيارات المتكدسة والمحتجزة وراء حفر الذل والبنى التحتية، ويمررن ظلّهن النقي على جدران وواجهات محلات تمتلئ بكل شيء إلا بالزبائن.
في الجامعات، شبابنا مقسّم بين كتلة مسيحية أقنعوها أن قضية سمير جعجع السجين وميشال عون المبعد هي القضية الأساس، في حلّها حل للأزمات اللبنانية كلّها! وبين كتلة إسلامية أقنعوها أن الكسوة الفلسطينية الملفوفة على رقابنا جميعًا هي القضية الأساس في الدفاع عنها يتحقق مجد لبنان! أما مؤسساتنا فمعطّلة، نقاباتنا فمجمّدة وأصواتنا فمخنوقة.
كلّ دفاعات مجتمعنا المدني سقطت ولم يتبق لنا سوى قلب أمهاتنا وخلايا جسدهن يردّ عنّا قهر الزمان.
فمتى تنطلق أمّ أحمد وأمّ جورج على خطوط تماسنا الوهمي لتدكّا أسوار الضلال المرتفعة في عيني اولادهما وتفتحا أمامهم طريق الحقيقة وتحطّما جدار التعصّب الطائفي المصطنع؟
آن الأوان كي تتحرّك امهاتنا وينزلن إلى الشارع.
آن الأوان كي يعدن زمن العاميات والانتفاضات الشعبية.
لم يبق غيرهن بمقدوره أن يحمل الحقيقة كما هي بلا مراوغة أو تشويه، ويقلب الطاولات ويغيّر لون الوقائع ويحقق المستحيل: فهنّ لا نقابة تحرّكهن ولا مصلحة انتخابية لهن، هنّ يتحرّكن على وقع نبضات قلوبهن فقط.
المرأة التي لا ترى مستقبلاً أسود ينتظر ابنها فلتبقى في منزلها تتابع تطورات المسلسلات التركية المدبلجة وآخر أحداث "متاهات الحب" المكسيكي! أما الباقيات فلينتفضن على الجمود القاتل والكذب المهين والفساد المخزي وليخرجن مجتمعنا من سجن التلفزيون والنقاش السياسي الاجتماعي المتلفز، المحموم.
والفارغ، إلى تنشق هواء الثورة الحقيقي الطلق في شوارع بيروت.
قيل إن الأم التي تهزّ السرير بيدها اليمنى تهزّ العالم بيدها اليسرى.
فما بهنّ أمهات لبنان؟
هل يدهن اليسرى مشلولة؟
(بقلم: أنطوان فضّول)