جبيل

مدينة لبنانية ساحلية تقع على بعد 37 كيلو مترا الى الشمال من العاصمة اللبنانية بيروت وهي من اقدم المدن في العالم وعرفت باسم جبلا اسسها الاله ايل منذ حوالي 7000 سنة اما المنطقة الساحلية التي تقوم فيها فقد اخذت اسم كنعان. غير ان الاغريق في الالف الاول قبل الميلاد ومن بعدهم الرومان اطلقوا على الساحل اسم فينيقيا كما اطلقوا على المدينة اسم بيبلوس وقد اخذت تسميتها الجديدة من الكلمات هون التي كانت تعني نبتة البردي بفعل ارتباط جبيل بتجارة البردي المستورد من مصر.
اكتشف اثار هذه المدينة المستشرق الفرنسي ارنست رينان وجرت اعمال التنقيب فيها بين 1921 و 1924 بادارة الفرنسي بيار مونتيه الخبير بعلم المصريات والذي اكد وجود علاقات تجارية بين جبيل ومصر القديمة.
جبيل وعمقها الجغرافي وتاريخها العريق
جبيل، مدينة أضاءت دروب الحضارة عبر العصور، فهي التي منحت لبنان جوهر الحرف والفن والعلم والجمال. تمتد هذه المدينة الخلابة على تلال وأودية تتعانق فيها أشجار السنديان والصنوبر، وقد غمرت أرضها بعرق الجبين وقوة الأيدي العاملة بجهد لا يتوقف. تشكل جبيل لوحة طبيعية تجتمع فيها المعابد مع أصوات الطيور، حيث تترنم الأجراس بتسابيحها وتتجاوب معها أصوات المآذن، لترسم مشهدًا من الوحدة الروحية في مكان ظل آمنًا من تداعيات الحرب اللبنانية، ليبقى واحة للتعايش والسلام.
وعند التجوال في دروب جبيل المتعرجة، يعانقك عبق الأعشاب البرية ورائحة الأجواء العليلة المتغلغلة عبر أحراش القندول وأشجار القصعين. أما قلعتها الصليبية، فتمتد شامخة على الساحل الفينيقي، تتلألأ تحت أشعة الشمس وتتوضأ برذاذ الأمواج. ومن هناك، تتجه الأنظار إلى شلالات أفقا المتدفقة، التي تغمر الأجواء بعطر الطبيعة. ولا تبعد عنها اللقلوق، التي تبدو بمناخها اللطيف وكأنها قطعة من الفردوس محاطة بحدائق التفاح النضرة.
جعلت جبيل من استقطاب الزوار هدفًا لها، حيث أتاح أبناؤها للسياح كافة المتطلبات الأساسية، من طرقات عامة ووسائل اتصال وخدمات، فضلاً عن الفنادق الراقية والمنازل المعدة لاستقبال المصطافين. وبفضل عزيمة أهلها، تجاوزت جبيل إهمال السلطات، حتى أضحت قبلة للسياح، خاصة بفضل شواطئها الخلابة ونسيم مصايفها العليل، وقد كانت في الماضي واحة للملوك الفينيقيين.
تمتد منطقة جبيل، بمساحة تبلغ 11,388 كيلومترًا مربعًا، على طول الساحل اللبناني، ابتداءً من نهر إبراهيم جنوبًا وصولًا إلى المدفون شمالًا، فيما تحدها شرقًا سلسلة جبال شاهقة تصل إلى 2500 متر، متصلة بحدود منطقتي بعلبك والهرمل. وتجاورها من الجنوب وديان نهر إبراهيم بمياهه المتدفقة وجماله الذي يحاكي منطقة الفتوح، فيما يحدها شمالاً مشارف بلاد البترون.
انطلق استكشاف تاريخ جبيل العريق بدايةً من آثارها، التي تعود إلى ما قبل العهد اليوناني، حاملةً دلالات على الحياة الصناعية والتجارية والأدبية التي عرفتها المدينة عبر العصور. تميزت جبيل منذ القدم بعظمة البناء؛ إذ يظهر ذلك في أسوارها وقلاعها، حيث يضم بعضها معابد ومرفأ فينيقيًّا تغلفه الأساطير، مثل أسطورة إيزيس وأوزوريس. وقد أُبحرت من هذا المرفأ أخشاب الأرز إلى هيكل سليمان، مؤسِّسة علاقات بين الفينيقيين والفراعنة. واليوم، يستقطب المرفأ هواة الصيد ويستضيف المقاهي والمطاعم والفنادق، ليظل شاهدًا على عراقة جبيل ووجهة للزوار من أنحاء العالم.
خلف العهد اليوناني بصماته أيضًا على جبيل، حيث ظهرت نقوش باللغة اليونانية تشير إلى آلهة المدينة وأسماء بلدات محيطة بها، بينما تعود بعض النواويس المكتشفة في المنطقة إلى هذه الحقبة، مميزة بأسلوبها الفني المختلف. أما العهد الروماني، فكان أثره أكثر وضوحًا، حيث شيّد الرومان معابد وأبنية تعبدية، كهيكل "نبتون" إله البحر الروماني، الذي اكتُشف تمثاله في أحد ممتلكات الرهبان اللبنانيين. كما جدد الإمبراطور أوربان الكثير من أبنية جبيل، وخلّف الرومان نقوشًا دينية تشير إلى عبادة الشمس وجوبيتر.
من هذه التفاصيل المتجذرة في التاريخ، تظهر جبيل كمدينة يليق بها أن تكون مركزًا نابضًا للباحثين والمؤرخين وعشاق الآثار، ووجهة تحتضن السياح بعراقة ماضيها وسحر طبيعتها التي لا تتبدد.