مدينة بعلبك

تقع مدينة بعلبك على بعد 85 كلم الى الشرق من العاصمة بيروت فوق اعلى مرتفعات سهل البقاع وجعلها الامبراطور الروماني اغسطس نظرا لاهميتها على الصعيدين الاقتصادي والديني صورة الي روما وعظمتها وقدرتها بين صفوف التجار والحجاج. وكان من ابرز نتائج سياسته ارتفاع معابد بعلبك العملاقة هنا التي تعتبر من عجائب العالم القديم.
ويتالف مجمع بعلبك الدين من ثلاثة صروح رئيسة هي معابد جوبيتر وباخوس والزهره.
موقع مدينة بعلبك الجغرافي عند منتصف سهول البقاع، على الطريق الآمن التي كانت تربط صور بتدمر ومصر بالهند، والرابط الديني بينها وبين مدينة جبيل حيث يعبد سكانهما الآلهة عينها، عاملان يفسران جاذبيتها التاريخية والحضارية، فوقعت فريسة غزوات وفتوحات قامت بها جيوش الأشوريين واليونانيين والرومان والعرب، فأقاموا فيها الحصون والقلاع، ومحضوها الإحترام فشيّدوا فيها الهياكل والمعابد حتى صارت قبلة الأنظار ومحط رحال الأمم والشعوب ومنجم الحضارات، وأطبقت شهرتها الآفاق العالمية لاسيما ببقايا آثارها الخالدة. صارت مدينة بعلبك بفضل الآراميين مركزًا دينيًا هامًا بين تدمر وأفقا وجبيل وبيروت وصيدون ومزارًا يتبارك به جميع الملوك والشعوب. مرّ بها الإسكندر ذو القرنين بعد معركة إيسوس 333 ق.م. حالفته على صور وأقامت له التماثيل واحتفظت برسومه كما أظهرت حفريات السنة 1947. بعد الفتح اليوناني خضعت لآل سلوقس لفترة زمنية قصيرة. في تلك المرحلة إيتبدل إيمها بهيليوبوليس. يذكر أسترابون أنها كانت ملحقة بإقليم البقاع وكانت من نصيب بطليموس مانيوس وقد عمت الفوضى ربوعها في عهده. رحبت بالغازي الروماني بمبيوس في السنة 64 وأقامت له الاعياد ووالته زمانًا مع صروف الدهر حتى جاءها فاتحًا يوليوس قيصر واستولى عليها فيا لسنة 47 بعد انتصاره على خصمه بومبيوس في موقعة فرسال الشهيرة في السنة 48 ق.م. لم يهملها، بل جعلها مستعمرة ودعاها باسم ابنته جوليا. وقد عثر على مسكوكات تحمل رسم فلاح يحرث الأرض مع كتابة باللاتينية وصارت بعلبك مع بيروت في عهد أوغسطس قيصر وفي زمن يوليوس مركزًا للفرقتين الخامسة والثامنة نظرًا لموقعها الحربي. إكتشفت البعثة الألمانية بعض نقوش وكتابات ترجع تاريخ بناء هياكل بعلبك غلى عهد نيرون أو إلى زمن أوغسطس قيصر. أدهشت معابد بعلبك الأجيال الماضية ولا تزال تثير الدهشة والذهول. عظمة التصميم فيها وروعة الإتقان ودقة الصنعة ترفع منزلتها الفنية إلى مستوى قد تقصر عنه هياكل آسيا وإفريقيا وأوروبا. إذا استثنينا عناصر الهندسة من أعمدة وغيرها، والزخرف الجميل، فترتيب المعابد فينيقي محض. لقد كان من دلائل العبادة في فينيقيا التوسع في مضمون القداسة فلا ينتقل المؤمن من بهو إلى آخر ومن معبد إلى أخيه ما لم يمر بحفلات طقسية مرهقة كالتطهير والغسل والسكيب... وكم بالحري إذا رغب في دخول قدس الأقداس الوثنية. ليس بعال بعلبك شخصًا واحدًا وإنما أقانيم ثلاثة كما تدلنا تلك الكتابات التي عثر عليها إن في أثينا وإن في دير القلعة وإن في الشويفات وإن في زلهوزن والتي تحمل أسماء ثالوث الوثنية عنيت به: جوبتر وفينوس ومرقور. وبهذا الداعي تحتم على المهندسين إبراز ما لجوبتر على زميليه من الأفضلية والأسبقية. ولقد ألحقوا بالهياكل زخرف الفن اليوناني الروماني ونقوشه اللطيفة وأفاريزه الدقيقة، أما الطراز الذي نهجوه فيها فهو الكورنتي الأنيق. بيد أن فن بعض أجزاء البناء قد انحط عن الفخامة الأولى والذوق السليم ذلك في الجيلين الثالث والرابع للميلاد. أحاط القياصرة الرومان بعلبك بعناية كبرى، جعلوها محجًا عظيمًا لاستمالة الشعوب الشرقية، وقد تركوا لهم حرية الدين والمعتقد. بنوا في بعلبك معابد تضاهي أو حتى تفوق معابد روما في الأبهة والزخرف. إن معابد بعلبك بهندستها وعظمتها لم يبنها ملك واحد ولا تعود لعصر واحد أو فنان واحد. كل عاهل من عواهل روما الوثنيين ساهم في تشييد هياكل بعلبك. إكتشفت نقوش ونقود ترجع إلى عهود أغوسطس ونيرون وتارجان وأدريان وأنطونينو الورع وغيرهم... إعتنى القياصرة ببعض الأبنية كالأسوار والشوارع والساحة العمومية والملاعب الأولمبية والهياكل المستديرة. أسند معبد جوبيتر إلى أنطونيوس بيوس وقد بناه تكريمًا لجوبيتر في مدينة هليوبوليس في فينيقيا اللبنانية. هو هيكل كبير ضخم يعد من أكبر أعجوبة حضارية في العالم. إلا أن مؤرخ هذا الإمبراطور يوليوس كابيتولينوس لم يذكر له مثل هذا العمل العظيم. قام الإمبراطور أدريانوس (117 – 138) في إنجاز ما بدأ به أسلافه الاباطرة في بعلبك. أثبتت البعثة الألمانية بعد التنقيب في القلعة الاثرية أن الإمبراطور سبتيموس ساويروس مؤسس السلالة السورية الذي تربع على عرش روما من 193 حتى 211 منح البلدة امتيازات عدة وقام بأعمال هندسية في الهياكل ثم سعى ابنه كركلا 212 – 217 بغية التكفير عن مقتل أخيه وحبًا بإله المعبد الذي كان كاهنه الأكبر، سعى في بناء أضخم مدخل في معبد جوبيتر. وتابع خلفاؤه عمله فبنى فيليب العربي 224 – 249 الدرج الذي يصعد إلى المدخل وحفر رسمه في أحد مسكوكاته. قبل أن يعتلي الإمبراطور الروماني كركلا المُلك، كان يشغل منصب كاهن جوبيتر الأكبر. وكان قد وقف على النقص في الهياكل. لما تولى الإمبراطورية لم ينس بعلبك. بعث إليها من يرتب دهاليزها. فقامت بالعمل على ما يُستنتج من الكتابات المحفورة، ثلاث فرق عسكرية. نقرأ عند ملتقى القبو الشرقي بالقبو الجنوبي، فرقة موشي. وفي القبو الشرقي، فرقة جرزو. وفي الطرف الشرقي من القبو الشمالي فرقة شو ولا نعلم تتمتها.