المقالة الثالثة والثلاثون

ليس هناك في الدنيا إنسانان مختلفان، ولا حضارتان متنافرتان.
الإنسان واحد في جوهره، والحضارة واحدة في مقصدها.
ليس هناك إنسان شرقي وآخر غربي يفرّق بينهما جوهر الإنسانية، بل هناك بشر من الشرق وبشر من الغرب، يصبحون جميعًا إنسانًا متكاملًا حين يبلغون درجة النضج التي تجعلهم متوازنين في قلوبهم، منصفين في أحكامهم، عادلين في أفعالهم.
أما الحضارات، مهما اختلفت مظاهرها وألوانها، فهي واحدة حين تلتقي على قيم الخير والحق والعدل.
قد تتباين الأديان، وتتنوع الأنظمة، وتختلف العادات والتقاليد، لكن الجوهر الإنساني يبقى واحدًا: العدالة، التضامن، الحرية، الاحترام المتبادل، نشر الخير بين الناس جميعًا.
تخيّلوا لو أن كل البشر والحضارات التقت على هذا الأساس… لو أن كل خطوة من الإنسان كانت متأصلة في هذا الإدراك: أن يصبح الخير هدفًا، والإنسانية واحدة.
حينها لن يكون صراع على الهيمنة، ولن يكون نزاع على السلطة، بل تصير الحضارة أداة للسلام، والإنسان جسرًا للتقارب، والأرض فضاءً للتعاون والازدهار.
إدراك هذا المعنى ليس رفاهية فكرية، بل ضرورة وجودية لكل مجتمع يسعى للبقاء.
كل شعب وأمة، كل قلب ينبض على هذه الأرض، مدعو لأن يرفع راية القيم الإنسانية، وأن يجعل من كل فعل، ومن كل قرار، خدمة للخير المشترك، لا لأهواء ضيقة أو أطماع خارجية.
فلنجعل من هذه الحقيقة شعلة تهدي أجيالنا: الإنسان واحد، والحضارة واحدة، واختلاف الشكل لا يبرر النزاع.
لنلتقِ جميعًا على خدمة القيم الإنسانية العليا، ولنصبح قوة سلام، وقوة بناء، وقوة تضامن لا يمكن لأي عاصفة أن تهدمها.
المستقبل لنا إذا فهمنا أن الخير، والعدالة، والإنسانية هي المعيار الذي يوحّدنا، واختلافنا في الشكل لا يمنع اجتماعنا في الجوهر، ولا يمنعنا أن نصنع معًا عالمًا أفضل لكل الناس، في كل مكان وزمان.
(بقلم: أنطوان فضّول)