المهندس ميشال متى والمجلس العام الماروني
في إطار برنامج "أعلام من بلاد الأرز" تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول والمنتدى الرقمي اللبناني إلى المهندس ميشال الياس متى، رئيس المجلس العام الماروني.
ثلاثة عناوين تختصر مسيرة المهندس ميشال متى: غوص في محيط الهندسة المدنية والمعمارية بوجهها الإبداعي، حضور حيوي في مجتمعه المسيحي والوطني، تجوال في دنيا العطاء الإنساني.
في مراجعة موضوعية لنشاطه المتواصل على امتداد العقود الأخيرة، نكتشف مدى تشعب اهتماماته وتنوّع مسؤولياته وحضوره المحوري في الكثير من القطاعات.
ولد في 16 تموز 1961 في الرميل، بيروت. تعود أصوله إلى تحويطة الغدير، المريجة. أما إقامته ففي الأشرفية.
متأهل من جومانا سعيد معوّض منذ السنة 1984 ولهما ثلاثة أولاد مايا - دكتورة في الصيدلة، ميشال جونيور - مهندس، ماريو - مهندس.
والده المخرج الياس متى، أحد رواد عالم الإخراج التلفزيوني وأحد مؤسسي تلفزيون لبنان.
نشأ المهندس ميشال متى على حب الوطن، ملتزمًا قضاياه منذ أن كان تلميذًا على مقاعد المدرسة وتبلور هذا المنحى في حياته طوال المرحلة الجامعية وما بعدها.
ستة عقود من الزمن، عاشها مواكبًا كل الأحداث التي خبرها لبنان على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين، وهي فترة زمنية، كانت كافية كي تُكسِبَ متّى خبرة ومعرفة دقيقة وتسمح له بتكوين رؤية مستقبلية شاملة.
مع اندلاع الحرب في 13 نيسان من العام 1975، لم يقف على الحياد، بل التزم الدفاع عن الوطن وتأييد الشرعية اللبنانية والزود عن حياض البلاد وسيادتها. ومثل سائر اللبنانيين، عبر نفق الحرب وعانى تداعياتها المأسوية، معايشًا كل الأحداث الأليمة، وهي المرحلة التي أثّرت في بلورة فكره الوطني ونهجه الإنمائي وسعيه الدائم نحو مجتمع مستقر.
رافق بيروت في كل المراحل التي عبرتها. وأمام كل محطة كان لسكان الأشرفية بنوع خاص، الرفيق الأقرب. شارك في الدفاع عن الأشرفية، وخاض مع رفاقه أشرس المعارك على مختلف الجبهات ضد الجيش السوري والمنظمات الفلسطينية المسلّحة.
من موقع مسؤولياته، أشرف على ضبط المنظومة الدفاعية في العاصمة ونبض المقاومة الكتائبية وعمل رغم دقة الظروف وصعوبتها من أجل إبقاء دورة الحياة على طبيعتها.
في السبعينيات كان هاجسه حماية الدولة والاستقلال والدفاع حتى الشهادة عن الأرض والمقدسات.
في الثمانينيات تحرك في سبيل وضع حد للتفسخ الذي يضرب الجسم المسيحي.
أما في التسعينيات ومطلع القرن الحادي والعشرين فقد صبّ اهتمامه على تحرير مستقبل الأجيال الشابة منها من عبودية الإفلاس والإنهيار الاقتصادي والهجرة.
كان الهدف من نشاطه الوطني، ولا يزال، تحصين المجتمع المسيحي، والمساهمة في وأد الفتنة في مهدها، والسّهر على الوحدة الوطنية.
لم تؤثر الحرب المندلعة في السنة 1975 في مسيرته العلمية، بل على العكس، تراه غائصًا في الدراسة والتخصص الجامعي حتى حيازته بتفوق إجازة في الهندسة المدنيّة، في الجامعة اليسوعية وتخرّجه في السنة 1983 مهندسًا مدنيًا.
بعد تخرجه مارس مهنة الهندسة في مكتب دولة الرئيس سمير مقبل لثلاثين سنة ثم افتتح مكتبه الخاص منذ السنة 2005، ليدخل عالم العمل من بوابة الهندسة، وقد امتلك وكالة أكروبود ACCROPODE للخرسانة والباطون المسلح لحماية الموانئ البحرية.
برع في حقل الهندسة المدنيّة وجاءت أعماله لتعكس قدرة يمتلكها، في تطويع معالم الحضارة الدولية مع الذوق اللبناني الأصيل.
الهندسة لا تلتقي مع الدمار والخراب فهي نقيضهما وهي علامة أفولهما. أما إذا نشطت في زمن الحروب فتتخطى طبيعتها العلمية لتصبح نوعًا من أنواع المقاومة وعنوانًا من عناوين الصمود وهو ما أتقنهما المهندس ميشال متى في حركته الإعمارية في وسط دوامة الأحداث الدموية.
في عالم الهندسة، لمساتُه الناطقة بوضوح في العديد من المشاريع تعكس ثقافته ذات الأفق العالمي، ومدى احترافيته وسعة علمه ورقي فنه.
مع انتسابه إلى نقابة المهندسين في بيروت، إمتلك خبرة نقابية متشعبة الأطر جعلت منه مرجعًا لا بل حكمًا في الكثير من المحطات لاسيما عند المفترقات الكبرى.
إنتخب عضوًا في مجلس نقابة المهندسين من 2012 حتى 2018، وضمنها ثلاث سنوات أمين المال للنقابة. بالإضافة إلى كونه عضو الهيئة التنفيذية في جمعية ابراهيم عبد العال من 1990 لتاريخه، عضوًا في الهيئة التنفيذية في جمعية خريجي الجامعة اليسوعية.
أسهم في توحيد كلمة المهندسين والالتزام بقوانين النقابة وروحيتها.
ميشال متى، مهندس لامس الآفاق العالمية، فهو عضو في الهيئة التنفيذية في جمعية كوباتي ليبان COBATY LIBAN التابعة لـCOBATY FRANCE التي أبصرت النور بعد الحرب العالمية الأولى كتجمّع دولي للإعمار والإنماء وللمهندسين والمحامين ورجال الأعمال حول العالم.
إلى ذلك هو عضو في المجلس العام الماروني منذ 1987، وفي الهيئة التنفيذية حتى 2020، يساهم في نهضة المجتمع الماروني وتعزيز مقوماته وبلورة رؤية له، عصرية وواقعية وعلمية، تلبي حاجات أبنائه وتعبّد الطريق أمام مستقبل لهم مستقر يكلله النجاح والتقدم، وقد انتخب رئيسًا للمجلس العام الماروني ابتداء من السنة 2021.
من موقعه هذا، يحمل قضية الكنيسة في الشرق وفي لبنان، داعمًا رسالتها ومساهمًا في تفعيل دورها في بناء المجتمع والدولة والكيان، وفي توحيد المسارات ومواجهة التفسخ والانقسامات.
يؤمن بدور الموارنة كرواد للفكر وكمحافظين على المبادئ الوطنية والقيم الإنسانية، كما يلتزم الإرتباط العضوي بالكرسي البطريركي الماروني، الحصن الأول والأساسي للموارنة خصوصًا وللمسيحيين عمومًا في لبنان والمشرق.
في إدارة ميشال متى للمجلس العام الماروني، تتظهّر ثوابت مقدّسة عدّة، والتزام وطني وروحي وقومي - إنساني، يترجمه في مسعاه الشريف نحو بناء وطن عصري تنسجم فيه مكوناته ويتنفس اقتصاده نفسًا طبيعيًا وتموج حركته بما يتلاءم وحجمه المعنوي وحقيقته كوطن – رسالة حاضنة للديانتين المسيحية والإسلامية، وككيان تتمدد خلاياه في مختلف أنحاء العالم متحرّرة من قيود الجغرافيا والرجعية والعنصرية.
أما الكنيسة المارونية فتبقى في ضميره ووجدانه، يسهم في إنجاح رسالتها حضورًا وطنيًا وكيانًا مشرقيًا، ورسالة عالمية، يحرس مسارها ويحرص على مسيرتها في خدمة الوطن وأبنائه المقيمين والمنتشرين، كي يستعيد لبنان رونقه وهويته واحةَ حوار وانفتاح وحرية، ويساهم في بلورة رؤية عصرية وواقعية وعلمية تلبي حاجات اللبنانيين وتعبد الطريق أمام مستقبل لهم يكلله النجاح.
سياسي بعقلانية، يتحلى بانفتاح على مختلف التيارات ويتعاطى بواقعية مع إدارة المجتمع، وهو في طروحاته سعى في سبيل المحافظة على الثروة الوطنية وتطوير الامكانات المتوفرة.
عندما حمل السلاح، في أواسط السبعينيات، حمله على مضض لكن بكرامة وشهامة وشجاعة ونبل، وذلك بعد أن بلغ الواقع المتردي أقصى درجات الخطر وبعدما تقطعت أوصال الوطن بشكل شبه نهائي ودخل المجتمع اللبناني في معادلة الموت أو الدفاع عن النفس.
إتصفت سيرته بالإعتدال والإتزان والصدق، وتوّجت الحكمة خياراته الوطنية وبرزت فيها روح الإنفتاح على العصر وعلى إنسانه بكل هواجسه وتطلعاته وأفكاره.
خدمة المجتمع والتصدي لعوامل تفككه وانهياره، فلسفة عكستها آلية حركته اليومية فإذا به يتفانى في الخدمة والسهر على مصالح الناس والمصلحة العامة. وكانت لمساهماته، لاسيما على مستوى متابعة القضايا الاجتماعية، الترجمة الحقيقية لحسّه الوطني واندفاعه القومي.
بالنسبة لعارفيه جميعًا، مرجع يُعتمد على رأيه. احتلت المسائل الاجتماعية والقضايا الإنسانية الحيّز الأكبر من وقته إنطلاقًا من قناعة بأن السلام لا يترسّخ إلا بالعدالة الاجتماعية. وفي سبيل إنتاج مجتمع راق، صب جهوده في سبيل التصدي لظاهرتي الجهل والتخلف، حيث تبنى مبدأ معالجة رواسب الحرب من خلال برامج إنمائية كانت له اليد الطولى في تنظيمها وتفعيلها.
إعداد: أنطوان فضّول