بشارة مرهج
في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى الوزير السابق بشارة مرهج
ولد في بيروت في السنة 1946
والداه جميل مرهج وسلمى الرحباني
متأهل من الدكتورة فالي غروتي ولهما ابنتان لينا ومنى.
أمضى طفولته في الشوير (مسقط رأسه) حيث درس في مدرسة الشوير الثانوية حتى نال شهادة البكالوريا القسم الأول بعدها انتقل إلى الانترناسيونال كولدج IC لينهي البكالوريا القسم الثاني سنة 1963 وينتقل بعد ذلك إلى صداقاته التي ترسّخت عبر الأيام واحتكاكه مع المسألة السياسية اللبنانية والقومية، بدأ في تلك السنة رحلته الطويلة مع الكتاب والسياسة. بدأ يرتاد نادي "العروة الوثقى" و"النادي الثقافي العربي" ويتابع الندوات والمحاضرات والقضايا اللبنانية والمسألة القومية.
آمن بحركة حضارية تنويرية تنهض بالعرب من كبوتهم وتنمي قدراتهم وتوحّد اتجاهاتهم وتحقّق استقلالهم وتدفعهم نحو استكمال رسالتهم الإنسانية وتسير بهم نحو التمدّن وتسمح لهم بالتواصل الحر والمنفتح مع الشعوب الأخرى في إطار الإستقلال والحرية والعدالة.
في تلك المرحلة تعرّف على مفكرين كبار تركوا أعمق الأثر في حياته لا سيما مؤسس حركة البعث الأستاذ ميشال عفلق والمفكر العربي الكبير منح الصلح.
رأى في حزب البعث ترجمة لهواجسه وتطلعاته فالتحق به وانضم إلى صفوفه. ومن الإنترناسيونال كولاج إنتقل إلى الجامعة الأميركية، قسم الاقتصاد، أي في السنة التي اندلعت فيها ثورة 8 شباط في العراق و8 آذار في سوريا. مع انقسام حزب البعث العربي، تمسك ورفاقه بوحدة الصف وحرية الحوار والنقد داخل المؤسسة الحزبية.
اتخذ نضاله العربي في أحد وجوهه بعدًا إنسانيًا، فكان له حضور دائم في العمل الاجتماعي. ساهم في تأسيس منظمة الطلبة العرب، ومنظمة كفاح الطلبة ونشط في جمعية الإنعاش القومي، وساهم في برامج محو الأمية.
بعيد كل البعد عن الوراثة السياسية، تبنى مبادئ العروبة الحضارية، وناضل في سبيل الحق العربي. وهو احد وجوه المجتمع المسيحي المؤمن بالتيار العروبي. حمل لواء الدفاع عن القضية الفلسطينية منذ فجر ولادة المقاومة في السنة 1965 وشارك في المظاهرات الشعبية دفاعًا عنها فاصطدم بحكم الأجهزة الأمنية في العهد الشهابي وتعرّض لتجارب صعبة وغاص في محيط الكتب والتاريخ والأدب والثقافة وتبحر في المكتبات العربية والعالمية، فاكتسب ثقافة واسعة كانت له عونًا في ميادين السياسة.
أنهى مرحلته الجامعية حائزًا الإجازة في العلوم الاقتصادية في السنة 1967.
عمل في مطلع شبابه في التدريس والصحافة والكتابة. فأصدر الملحق الطالبي في صحيفة "الأنوار"، وشارك في تحرير الملحق الاقتصادي في الصحيفة المذكورة. كذلك تولى التعليم في مدرسة عمر بن الخطاب في بيروت.
تأثّر عميقًا بنتائج حرب حزيران 1967 الكارثيّة وتدمير أسطول الميدل إيست الجوي على وقع الغارات الإسرائيلية ليدفع به إلى الانحياز كليًا للكرامة العربية والتصميم النهائي للمشاركة في مشروع المقاومة والكفاح ضد الصهيونية ومحاربة إسرائيل.
انطلق بدعم المقاومة الفلسطينية ورفض السياسة الإنكفائية المعتمدة من النظام اللبناني، وساعد في بناء الملاجئ وإنعاش قرى الجنوب من خلال عضويته في "المؤتمر الوطني لدعم الجنوب". وساهم في تأسيس فرق الدفاع الذاتي التي استشهد العديد من قادتها بمواجهة العدو الصهيوني.
مع اندلاع الحرب اللبنانية في 13 نيسان 1975، قاوم الفرز الطائفي، ورفض فكرة العزل وصمد في بيروت الغربية في منطقة المصيطبة، وساعد في الإفراج عن العديد من المخطوفين وفي تثبيت الأهالي في بيوتهم والحفاظ على عرى الوحدة الوطنية.
بعد استقلاله عن حزب البعث أسس مع رفاقه وأصدقائه وفي مقدمهم معن بشّور اللجان والروابط الشعبية لخدمة المواطنين في مختلف المجالات والتعويض ولو جزئيًا عن غياب السلطة وتفشّي الممارسات الميليشياويّة وقد عاش الحرب بكل أبعادها وحتى يومها الأخير.
تعرّض للتهديد والملاحقة من الجنود الإسرائيليين لكنّه في اللحظة الأخيرة تمكّن من الإفلات منهم بمساعدة مجموعة من الراهبات اللبنانيات.
نضاله السياسي مسيرة متواصلة على امتداد نصف قرن.
دافع في زمن الحرب عن سلامة المواطن، رفض الانقسام الطائفي. شارك في الدفاع عن بيروت بوجه الاحتلال الإسرائيلي. دافع عن الجنوب والتزم نهج المقاومة. قاوم التجاوزات والممارسات الميليشياوية. آمن بالتنافس الديمقراطي طريقًا لبناء المجتمع والدولة. شارك في العديد من المبادرات الهادفة إلى تعزيز الحوار والحياة الديمقراطية مع عدد من الشخصيّات وعلى رأسها المفكّر منح الصلح.
أسس في نهاية الثمانينيات دار الندوة وتولى منصب المدير العام فيها ونجح مع زملائه في تحويلها إلى مركز ثقافي أسهم في إحياء الحركة الفكرية والفنية في بيروت.
اعتمده رئيس الحكومة رشيد الصلح مستشارًا للشؤون العربية في السنة 1992.
امتلك شعبية واسعة ساعدته على دخول قبة البرلمان للمرة الأولى في اول انتخابات نيابية جرت بعد الطائف في السنة 1992. ثم كرّت السبحة، فأعيد انتخابه في دورة السنة 1996 ودورة السنة 2000.
في المجلس النيابي شارك في أعمال لجنة المال والموازنة، وترأس لجنة حقوق الإنسان، حيث أصرّ على زيارة كل السجون في لبنان بما فيها سجن وزارة الدفاع ومختلف السجون العسكريّة فاطلع على أوضاع السّجناء ورفع تقريرًا بذلك إلى رئيس المجلس النيابي.
في عهد الرئيس الياس الهراوي، تولّى مرهج حقيبة وزارة للداخليّة فعمل من أجل الإصلاح وضبط الأمن ومكافحة الفساد والتعاطي بواقعية وبقرب مع المسألة الإجتماعية.
تشهد له الصحافة تمسكه بالحريات العامة وحرصه على الحقوق، بما فيها حق اللبنانيين في التظاهر وفقًا لأحكام الدستور. ولعل تعاطفه مع المتظاهرين عند جسر المطار عشية اتخاذ مجلس الوزراء قراره بحظر التظاهر عام 1993، وهو الذي أطلق شرارة التباعد بينه وبين الرئيس الياس الهراوي الذي أصدر بعد سنة ما عرف بمرسوم "منتصف الليل" الشهير الذي أقصي فيه الوزير مرهج من وزارة الداخلية.
بعد هذه التجربة الوزارية الأولى أُسندت إليه في تشرين الثاني 1996 حقيبة وزير دولة لشؤون الإصلاح الإداري. فوضع مع فريق مكتبه أول استراتيجية شاملة للإصلاح الإداري في لبنان وخطّة متكاملة لإنشاء الحكومة الإلكترونية. ولأول مرّة في تاريخ الدولة، نظّم دورات متعدّدة لسائر موظفي الدولة لاكتساب الخبرة في ميدان المعلوماتيّة وتطبيقاتها ونفّذ العديد من المشاريع المعلوماتيّة في الإدارات والمؤسسات العامة، كان أهمّها مشروع مكننة دوائر الضمان الإجتماعي في بيروت – الدورة والمركز المعلوماتي في الجامعة اللبنانية.
وفي تشرين الأول 2000 عُيّن وزير دولة.
تميّزت تجربته الوزارية بالتمسك بحكم القانون ومواجهة التجاوزات التي تنال من حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات العامة والبيئة، فانتقد وأدان وهو في مقعده الوزاري إغلاق جريدة السفير ومحطّة الـMTV.
ترأس وفودًا لبنانية رسمية إلى الخارج، وشارك في مؤتمر وزراء الداخلية العرب المنعقد في تونس في السنة 1993 و1994. كما رافق الوفد الرياضي اللبناني إلى أميركا إلى الأولمبياد الخاص للمعوقين في السنة 1995.
في السنة 1997 شارك في المؤتمر العالمي الذي نظمته الأمم المتحدة حول "الحكم الصالح"، حيث انتخبه رؤساء بلديات ووزراء العالم الثالث ممثلاً لهم في هذا المؤتمر الذي ترأس جلسته العامّة. وبناء على اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة وموافقة مجلسها الإقتصادي الإجتماعي، إنتخب عضوًا في لجنة الـ24 أو لجنة الإدارة العامة التابعة للأمم المتحدة ممثلاً المشرق العربي حيث عمل في إطار هذه اللجنة لمدة سنتين.
مثّل لبنان في مؤتمر وزارء خارجية العالم الإسلامي المنعقد في السنة 2002 في السودان، وترأس المنظمة العربية للتنمية الإدارية في دورتها الـ 36 التي انعقدت في القاهرة في السنة 1998.
أغنى المكتبة اللبنانية والعربية بعدد من المؤلفات منها: معركة العروبة والديمقراطية، الانعزالية اللبنانية، حرّاس الهيكل، الإصلاح الإداري - نظرة من وحي التجربة، صفاء الخاطر، المرسوم المرسوم 5247.
نشرت له مئات المقالات والدراسات والأبحاث والندوات.
وسجل له الكثير من الكلمات والتصاريح والمقابلات والمواقف الخطابية.
في جعبته رؤية متكاملة ومعرفة دقيقة لتفاصيل التحولات الكبرى التي عاشها الشرق الأوسط.
(إعداد: أنطوان فضّول)