شهيد الخوري

الدكتور شهيد الخوري الطبيب والنائب والسياسي اللبناني الراحل

من مواليد عمشيت – العام 1909، توفي عام 1966. تأهل من جان دارك باسيل. أولاده الثلاثة ناظم وكاتيا وكارمن.
تلقى علومه الإبتدائية في مدرسة الإخوة المريميين في جبيل وأكمل المرحلتين التكميلية والثانوية في مدرسة عينطورة. أما دراسته الجامعية فأنجزها في الجامعة اليسوعية حيث درس الطب وتخرج طبيبًا.
أسس عيادته في عمشيت، عالج المرضى في مستشفى سيدة المعونات ومار مخايل قبل أن يفتتح مستشفاه الخاصة، مستشفى عمشيت، بعيادتها وبدار التوليد.
العام 1947 ترشح للإنتخابات النيابية وفاز بمقعد نيابي عن جبل لبنان.
أما في العام 1951 فقد عزف عن الترشيح لصالح النائب روفايل لحود. كذلك في العام 1957.
العام 1960 عاد وترشح للإنتخابات النيابية وألّف لائحة ضمّته الى جانب الوزير المحامي إدوار نون وأحمد الحسيني لكن اللائحة خسرت الانتخابات أمام لائحة الكتلة الوطنية المؤلفة من العميد ريمون إده والمحامي جبرايل جرمانوس وأحمد إسبر.
في العام 1964 جدّد الدكتور شهيد الخوري ترشّحه للإنتخابات النيابية وفاز بالنيابة ضمن لائحة شعارها التضامن الجبيلي، تألفت منه ومن الدكتور أنطوان سعيد وأحمد الحسيني.
لم تمض سنة على الإنتخابات حتى توفي النائب الدكتور سعيد إثر نوبة قلبية. وبعد عام توفي النائب الدكتور شهيد الخوري، فأقيم له مأتم روحي وسياسي وشعبي حاشد وحُمِل النعش على الأكتاف من نفق نهر الكلب حتى مسقط رأسه عمشيت.
في البرلمان، ترأس لجنة العمل والشؤون الإجتماعية النيابية وانتخب عضواً في لجنة الصحة النيابية.
حقق العديد من الإنجازات والمشاريع الإنمائية لمنطقة جبيل في فترة نيابته.
كان أول من سعى لتأمين المياه والكهرباء للمنطقة وهو من عمل على تنفيذ طريق عمشيت باتجاه قرى وبلدات جبيل الشمالية.
لم ينتسب إلى أي حزب سياسي لكنه عاصر زمن الاستقلال وواكب المرحلة اللاحقة به.
إنضم الى الكتلة الدستورية الموالية للرئيس بشارة الخوري. أيّد النهج الشهابي الذي رسمه الرئيس اللواء فؤاد شهاب لوطنه، لبنانيًا وعربيًا ودوليًا، في مطلع الستينيات، وواجه بذلك الكتلة الوطنية بزعامة الرئيس إميل إده ومن بعده نجله العميد ريمون إده.
في 15/3/2002، كرّمه اللقاء الوطني – حركة فكرية إنسانية – بالتعاون مع وزارة الصحة مع ثلاثة من الأطباء الراحلين الذين خدموا منطقة جبيل وأهلها وهم إضافة الى النائب الدكتور شهيد يوسف الخوري (1909 – 1966)، الدكتور أنطوان ناصيف الشامي (1917 – 1998)، الدكتور أنطوان فارس سعيد (1925 – 1965)، والدكتور اسكندر رشيد العم (1939 – 1999) وذلك في قاعة سيلينا قربان في الجامعة اللبنانية الأميركية في بلاط يوم الجمعة 15/3/2002 وقد خصّه المهندس ظافر سليمان خلال الحفل بكلمة، لخص فيها مسيرته الوطنية وجهوده الإنسانية وإنجازاته الإنمائية وخدماته الطبية. ومما قال فيه:
"لقد كان طبيباً ماهراً في سياسته وسياسياً لبقاً في طبّه. فترفّع في سياسته عن المزالق والزواريب وحرر مهنته من قيود المال والوقت. فسما بالإثنين، وقد عبر الى روح مرضاه بروحه الرضية وزرع الأمل في عيونهم مكان الألم، وكان يسافر في بحر الحدقات المشدودة اليه بنظرة وابتسامة تفعلان في المريض فعل الدواء وأكثر. وكان في السياسة يعالج آلام الحرمان والقهر ويبحث عن العلل المتفشية ويترفّع عن المواقف الإستعراضية المبنية على الكلام والجدلية، فقد فضّل في كثيرٍ من المواقع وضع الإصبع على الجرح مستحضراً الوضع لتظهر الحقيقة وتسهل المداواة.
لقد اعتنق الرسالة وارتضاها وتابعها ولم يكسب منها عيشًا. فطبيب الفقراء لم يبخل حتى بثمن الدواء على عليل لا يملك قدرة الشراء بل الأمل بالشفاء.
وكم تجشّم الخطر وواجه الصعاب طاوياً الليالي في مناطق لا يطالها أحياناً ضوء القمر على ظهر دابة، أو راجلاً على درب مشقوقة في قعر واد، ليدفئ صقيعًا في جسد مريض بارد وليضيء نوراً في عتمة قلب متعب.
لقد أفقدته مهنته ماله. لكن إنسانيته الكبرى عبّدت له طرقات القلوب. فاختير يافعاً لتمثيل جبل لبنان، بُعَيْدَ الإستقلال، حيث كان الجبل صامداً، شامخاً، أبياً، وفياً، لتركيبة لبان الفريد.
هكذا جمع الرجل بين الطب والسياسة. فصارا واحداً. وانسجما ولم يتنافرا. فقد رفض في سياسته أن يسلك الطرقات الملتوية. لكنّه في الطب كم سلك الشاقة منها والوعرة لإخراج ألم من جسد أو روح من رحم...
ويوم كانت البلاد تبحث عن نقطة ماء كان همّ الشهيد أن يروي غليلها، فيسكب الحياة في حلقها اليابس... عزّ عليه أن يرى الناس تشرب من الآبار ومن مياه الجمع، فسعى مع الرهبانية في النصف الأول من القرن الفائت. وكان له ما أراد بعد جهاد. وأنسابت المياه.
كان كذلك في كل ما أنجز وفي ما سعى الى تحقيقه يضع الإنسان في طليعة أولوياته ويعمل للإنماء والتطوير فينعش القلوب لا للإرضاء والتشهير، فيكسب التصفيق.
لم تكن السياسة بالنسبة إليه وصولاً وتألقًا وسعيًا وراء التفوق، بل تجردًا وخدمةً وتحسسًا ومشاركة مع الناس وتضحية بالوقت والصحة والأنانية في سبيل الغير. فقد اعتمد في جملة مواقفه على تفكيره الدمث المحلل، أكثر من اعتماده على التهوّس اللفظي المحرّص.
شهيد الخوري لم يتذمّر يومًا من الناس. وفضّل مصادقتهم على تزّعمهم. هو الذي لم يقدر في أي وقت أن يجتاز عتبة عيادته إلا عبر صفوف الإنتظار المحتشدة. وفي دار التوليد التي أنشأها، كانت الحياة تطلّ على يديه، فتقبل الأمهات اليه وفي عيونهنّ أمل ورضى وصلاة.
وإذا استعاد منكم من أراد صحف الأمس، على قلّتها ورصانتها، سيجد من مواقف الدكتور شهيد مطالبات واقعية بمستشفيات ومدارس وبتخفيض أسعار الكتب وبإنصاف المزارعين. لأنه كان على مقربة من الناس.
حقّق في حياته القصيرة الإنجازات الكبيرة...
دائم الحركة والإرتباط. غارق في قضايا الناس والمجتمع. يرتسم تحت إطباقة جفونه ألف مشهد، وتدور في ذهنه آلاف الحوارات. يحمل في رأسه ما يمكن أن يملأ دنيا في حالها.
وهكذا فجأة وباكراً جداً، رحل شهيد الخوري دون أن يغيب. رحل وهو حاضر في كل تفاصيل الحياة حيث مرّ وعبر، حيث عاش وضحى وناضل وجاهد. رحل وهو حاضر في بلدة ضمّت رفاته، أما روحُه فبقيت طليقة في سمائها...
كيف يغيب أمثاله وهو الخالد في مُثُله وفي عيون من شفي من علّة أو ارتاح من ضيق...
القلب الذي أحب أكثر من قدرة بشر على الحب توقف تحت وطأة الأحمال الثقيلة. وحُمِلَ الجسد العائد على سواعد الشباب من نهر الكلب الى عمشيت كالكنز والأمانة يسلّم من بلدة إلى بلدة، ومُنِع عليه أن يلمس الأرض قبل مثواه، في منطقة رفعته في حياته ولم تتركه ساعة مماته.
عشيّة وفاته، عند الساعة الحادية عشرة ليلاً، في مستشفى أوتيل ديو حيث كان يعالج، نعاه مجلس النواب وآل الخوري ونقابة الأطباء.
تحلّى الدكتور شهيد الخوري بالتواضع والصبر والشجاعة ودماثة الأخلاق. وعُرف برجل الصمت المعطاء. يظهر حينًا، عندما تفتقد البلاد لوقفة عز وشهامة، ثم يتوارى، مؤثرًا سكوت العلماء والحكماء على الكلام الهباء، ومفضّلاً الفعل على القول.
كان الأب والطبيب والنائب ذا الرؤية الشفافة والكلمة الصريحة والموقف الصادق والرأي البعيد النظر.
إتّصف بالحكمة والاتزان، وبرجاحة العقل وتغليب المنطق.
إمتلك قراره الحر وتمسّك به بحزم واستقامة وترفّع واعتدال. كما تحلّى بالشجاعة عند تبنّيه القرارات المستقلّة.
مواقفه كان يتخذها وفقًا لقناعاته من دون محاباة للرأي العام أو مرضاة للجماهير.
تميّز بشخصيته الوطنية ذات الثوابت التي تستنبط ملامحها من تلك النزعة الاستقلالية والشغف إلى دولة المؤسسات والقانون ومنطق العدالة والمساواة وتحقيق الإنماء المتوازن في إطار من ديمقراطية واستشراف لمستقبل ركيزته السلام والاستقرار والتضامن والتجذّر بالأرض مع المحافظة على القيم الوطنية والأعراف المجتمعية والتقاليد الأصيلة.
معاصروه يشهدون أنّه إنسان مسالم، لا يؤمن بالعنف، وأنّه نبراس في التهذيب وفي التواضع في آن.
حتى مماته، حافظ على طبعه الإنساني النبيل، وبقي قريبًا من هموم الناس وشجونهم.
إعتز أبناء جبيل بالنائب الدكتور شهيد الخوري، حتى أنّهم أرسلوا إلى المجلس النيابي برقية عبّروا فيها عن تأييدهم له وشكرهم للجهود التي بذلها في سبيل تطوير مناطقهم وإنمائها وإعمارها.

نقرأ في مقدمة إحدى الجلسات النيابية ما يأتي(1):
"أما البرقيّات الواردة إلى المجلس النيابي فتشمل المواضيع التالية: (وبعدما يعدد التقرير عناوين أربع برقيات يصل إلى العنوان الخامس فيقول):
5 - برقية يؤيد بها موقّعوها من جبيل النائب الدكتور شهيد الخوري ويشكرون لذوي الشأن تعلقهم به.
(1) الدور التشريعي السادس - 6 - العقد الإستثنائي الأول - محضر الجلسة السادسة - 1950 - أوراق واردة

من أفكاره
إمتلك الدكتور شهيد الخوري إيمانًا قويًا بالقدرة الإلهية.
مع اعتزازه بانتمائه الطائفي، كان مدركًا أبعاد المشكلة الطائفية التي يعاني منها لبنان.
رفض كل أشكال التمييز بين أبناء الشعب. ورأى أن للوحدة الوطنية واقعًا ينطلق من شعور يختلج بَوَاطن كل المواطنين بأن الدولة لهم جميعًا وأنهم جزء لا يتجزّأ منها وأنهم متساوون في أحضانها وليس لأحد أن يحظى منها بأكثر مما يحظاه شريكه في الوطن.
أبدى حرصًا على استقلال لبنان وسيادته. وفي صميمه قناعة بأن هذا الاستقلال يُبنى في كنف دولة موحّدة تعزّزها البرامج الكفيلة بترسيخ الانتماء الوطني وتأمين شروط العيش الكريم.
في هكذا مناخ يرتقي اللبنانيون إلى مستوى الأخوّة فيما بينهم، ويتحررون من سلبيات الطائفية، ويَحْيَوْن في كنف الدولة الواحدة الموحدة، مع ضرورة السهر على طمأنة كل طائفة إلى حقوقها، والحرص بالمقابل على تطبيق العدالة كاملة وبشمولية مطلقة.
في عرفه، العلاقة بين المواطن ووطنه علاقة ذات حركة مزدوجة. فالمواطن عضو فاعل في المجتمع، يعطي بلده من ذاته وفكره ونشاطه. وبالمقابل توفّر له دولته الحياة الكريمة والرعاية.
حض المواطن اللبناني على التحرر من رواسب الماضي والتعاطي بموضوعية مع منطق الدولة والخروج من ولاءاته لمصلحة ولائه لوطنه ذي الحضور العالمي والأفق العربي.
بالمقابل، شدّد على أهمية أن يتولّى الحكم الحاكم المتجرد والقاضي العادل والموظّف الأمين. فهي أركان الثالوث الذي ترتفع على أكتافه إدارة حكم حي وشريف.
بالنسبة له، احترام القانون أمر مقدّس. فتمسّك بالحريات العامة، لا سيما حرية الرأي والقول.

من موقعه النيابي، أسهم في سن قوانين عدّة حوّلت لبنان دولة متطورة تجاري العصر.
مع تمسكه بعصرنة الدولة وتحديثها، واكب كل تطوير طاول القوانين، معاينًا نشأة العديد منها، والتي كانت ترجمة موضوعية للثورة الإصلاحية الكبرى التي شهدها لبنان في تلك المرحلة، نذكر منها: قوانين الموظفين والوزارات والإدارات العامة ومجلس شورى الدولة.
رصد عملية إنشاء عدد من مجالس الرقابة كمجلس الخدمة المدنية وهيئة التفتيش المركزي وديوان المحاسبة وديوان التأديب وسواها...
أبدى دعمًا كاملاً لهكذا خطوات بهدف إبعاد السياسة عن الإدارة وضبطها، وتحسين أداء الموظف وإنتاجه، إضافة إلى تحصينه وتحريره من كل محسوبية أو تبعية.
من أجل النهوض بلبنان وتدعيم استقراره وتعزيز ازدهاره في كل قطاعاته الانتاجية، تبنى منطق دولة المؤسسات، وتمسّك بوطن الأخلاق والحرية والكفاءة والوحدة.
كان توجهه وطنيًا توحيديُا متقدمًا ومنفتحًا.
آمن بمحورية دور الدولة في ترشيد الأجيال الشعبية وتنظيمها واحتضانها.
أدرك ان المهمات الملقاة على عاتق الدولة لا تُنْجَز، إلا بعد تحديث المؤسسات الرسمية وتفعيل أدائها وتطوير القوانين. فاستفاد من وجوده داخل البرلمان ليطرح المسائل ويقترح المشاريع التي تصب في خانة بناء الوطن على أسس راسخة وسليمة.
تمسّك بضرورة اختيار الموظّف على أساس الجدارة والاستحقاق.
كان يعتبر الكفاءة أساسًا للخدمة العامة ويطالب بلامركزيتها بحيث انها تصبح في متناول كل مواطن كونها خدمة للجميع دون استثناء على أن يتحرر الموظف من كل ولاء إلا لوطنه وللقانون.
أيّد الحركة الإصلاحية على أن تكون شاملة بحيث أنها لا تترك حقلاً إلا وتطاله، وأن تحظى بدعم سياسي مستقر وبمواكبة الشباب المثقف والأحزاب والنوادي والجمعيات على تنوعها إلى جانب التأييد الشعبي والقناعة الواجب توافرها لدى الموظفين المكلّفين بإتمام هذا الإصلاح.

تحفظ إحدى محاضر جلسات المجلس النيابي(2) احتجاجًا تقدّم به النائب الدكتور شهيد الخوري بشأن ميزانية الأشغال العامة.
(2) الدور التشريعي السادس - 6 - العقد العادي الثاني - محضر الجلسة السابعة - 1974 - أوراق واردة

ففي مرحلة الهدر والفساد وقف بالمرصاد يراقب، يدقق، يرفع الصوت، يطرح البديل.

إلى ذلك، طالب بإصلاح اجتماعي شامل يترافق مع إصلاح أجهزة الدولة وأدائها.
مع اعتناقه الديمقراطية مذهبًا في السياسة، ربط هذه الديمقراطية بثوابت وأسس تمسّك بها في إطار نظام برلماني حر مع فصل السلطات وتوازنها.
بالنسبة إليه، الديمقراطية السياسية لا تكتمل إلا بديمقراطية اجتماعية ترافقها وتحوّل البلاد من مزارع مشتتة، إلى دولة مستقلة، قائمة بذاتها، تحترم حقوق الإنسان وتلتزم بالديمقراطية في نظامها البرلماني الحر. كما تحمي المواطن من التخلّف والانحطاط، وتسير به نحو حاضر مستقل ومستقبل أفضل.
في خلفية حركته السياسية، رؤية واقعية وتغييرية في آن، لها أبعاد ثلاثة رئيسة: الإنماء والعدالة الاجتماعية والإصلاح الإداري.
وجد أن المشكلة الحقيقية الواجب معالجتها تكمن في البنى السياسية والاقتصادية الاجتماعية الداخلية التي تسهم في تفكيك المجتمع اللبناني وتوسّع الهوّة بين الطوائف وبين مختلف شرائح المجتمع وطبقاته.
لمعالجة هذا الواقع المتخلف طالب بمشاريع إنمائية عمرانية متطورة تُنَفّذ على قاعدة الإنماء المتوازن وإيلاء الاهتمام الكامل بالمناطق اللبنانية كافة، عسى أن يشعر المواطن اللبناني بمشاعر الانتماء إلى الوطن.
لقد تلمّس الحرمان في المناطق البعيدة عن العاصمة حيث يتمركز معظم اهتمامات الحكومة. فنادى بالإنماء المتوازن والمتكامل والشامل للمناطق والقطاعات، وجعله محورًا رئيسًا في مداخلاته في البرلمان، راصدًا باهتمام بالغ، كل خطوة قامت بها الدولة تصب في هذه الخانة، داعيًا، وكمسار رديف، إلى توسيع نطاق الضمانات الصحية والاجتماعية.
أولى مبدأ اللامركزية الإدارية اهتمامًا خاصًا، في طروحاته الإنمائية. بحيث أنّه شجّع فكرة تعميم البلديات، ودعا إلى تبسيط آلية إنشائها، وتمكينها من ممارسة صلاحيات أوسع. كما استهوته فكرة إنشاء اتحادات للبلديات، وهي فكرة كانت رائدة في عصره.
رافق تطوير الجامعة اللبنانية وإطلاق مركز البحوث العلمية وبرامج تطوير التعليم الرسمي وكان هذا التعليم قد لقي منذ العام 1952 دعمًا خاصًا لم يعرفه لبنان من قبل، بدء من المستوى الابتدائي مرورًا بالمتوسط إلى الثانوي وصولاً حتى الجامعي.
في العام 1966، في جلسة خصصت لمتابعة التصويت على أبواب الموازنة (3) تناولت فيها موازنة الجامعة اللبنانية تحديدًا، لا سيما بعد إحداث معهد الفنون الجميلة، تناول عدد من النواب هذه المسألة وشنّوا حملة على الجامعات الأجنبية الناشطة في بيروت.

(3) الدور التشريعي الحادي عشر – 11 – العقد الاستثنائي الأول – محضر الجلسة السابعة – 1966.
تصدّى النائب شهيد الخوري لهذه الحملة ودافع عن الجامعات الأجنبية فقال:
"إن الجامعات الأجنبية التي شاءت أن تكون في هذا البلد هي نعمة بحد ذاتها، وقد أفاضت علينا وعليهم جميعًا وليس لنا ما يوجب أن نطلب منها شيئًا. فأنا يا سيدي أتمنى أن تبقى هذه الجامعات علمًا أديبًا لهذا البلد، فنسعى مخلصين كي نرفع مستوى العلم في جامعاتنا لا أكثر ولا أقل".
كان النائب شهيد الخوري يحلم بأن تلتقي الجامعات العالمية في لبنان وأن تتحوّل بيروت إلى منجم حضاري ومفترق طرق يتقاطع عندها الفكر العالمي وخلية نشاط فكري دولي ومنارة يتخطى شعاعها الحدود اللبنانية ليلامس الآفاق العربية كافة.
أراد أن يرى لبنان منتدى للمفكرين العرب، لا بل لمفكري العالم أجمع. وكان يتكل على الجامعات كي تبث في صفوف طلابها الروح الجامعية وتحميهم من الأفكار الهدامة التي تشوّه القيم الأخلاقية وتقوّض ركائز المجتمع وتضر بسمعة لبنان. كان يعتبر النشاط الجامعي اللبناني وسيلة أخوة تربط لبنان بالدول المجاورة والشقيقة.
رفض أن تتحول الجامعات إلى بؤرة فساد للمبادئ السامة والأفكار السياسية المدمرة.
تمسك بالاقتصاد الحر منهجًا ورفض الفوضوية في الاقتصاد. وشجع كل خطوة صبّت في خدمة الزراعة والصناعة والسياحة.
واكب نشأة المصرف المركزي واعتبره ضروريًا لتعزيز الثقة بالليرة اللبنانية التي طالما وصفها "بالرمز اللبناني لا الطائفي"، مشددًا على أنه في دعمها تحصين للطبقة الوسطى وهي "الركيزة الأساسية للاقتصاد اللبناني".
عاين ولادة مصرف لبنان وقانون النقد والتسليف والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والتنظيم المدني ورافق نشأة مجلس تنفيذ المشاريع الكبرى والإنعاش الاجتماعي والمجلس الوطني للبحوث العلمية والمشروع الأخضر ومصلحة كهرباء لبنان والبرامج الخاصة بنهضة الريف وشق الأوتوسترادات والطرق، ومكتب الفاكهة.
عاين إقامة السدود ومنها سد القرعون وتطوير المرافئ كمرفأ بيروت ورافق كل برامج تطوير الصناعة اللبنانية معاينًا نشأة مكتب الحرير.
أبدى اهتمامًا ملحوظًا بقطاع الزراعة، وطالب القيمين عليه بمضاعفة اهتماماتهم بالشؤون الزراعية، كما أبرز أهمية هذا القطاع وخصّه بالقسط الوافر في مداخلاته النيابية.
رحّب بفكرة الإستعانة بخبراء دوليين لتنشيط الزراعة وسائر قطاعات الدولة. طالب بوزارة للتصميم العام والتخطيط وعندما تأسست عمل على تعزيزها وتطويرها ورأى فيها العمود الفقري لتطوير الاقتصاد اللبناني بما تحمله من برامج علمية ودراسات تستمد من العصر عناصرها ومفاهيمها وأبعادها.
أظهر حرصًا بنوع خاص على رعاية الطفولة لاسيما من الناحية الصحية.
وقد بلغت درجة الاهتمام بالطفولة حد التمني من وزارة التربية كي تشكّل دائرة طبية تضع في صلب اهتماماتها مراقبة الواقع الصحي في المؤسسات التربوية والتعليمية كافة وإرسال الأطباء بصورة دورية إلى المدارس للكشف ميدانيًا.

(4) الدور التشريعي السادس – 6 – العقد الإستثنائي الثاني – محضر الجلسة العاشرة – 1950.
واكب، من موقع المسؤول والخبير، النهضة الاستشفائية اللبنانية في مرحلة انطلاقها الأولى، ورصد كل الخطوات التي رسمتها وزارة الصحة وباشرت في تنفيذها مدققًا بأبسط التفاصيل.
لقد عاين ولادة العديد من المستشفيات، وبحث في معظم التشريعات التي تدارسها المجلس النيابي في هذا الحقل. كذلك شجّع كل جهد يبذل في سبيل الحفاظ على ريادة لبنان في الحقل الصحي ومواكبته العصر بتطوراته وتقنياته الحديثة. وفي هذا الإطار لا بد من التنويه إلى الدعم الذي أبداه من أجل أن تنطلق في لبنان عمليات تلقيح BCG.
لبنان بالنسبة له صغير في مساحته وعدد سكانه، إلا أنّه يبقى "المركز الصحي والثقافي الأول في الشرق الأدنى وملجأ للبلدان العربية المجاورة صيفًا شتاء".
"الطلاب الذين يقصدون مؤسساتنا العلمية وكلياتنا العالية، يحملون عند العودة إلى بلادهم ما اقتبسوه وما شاهدوه.
كما أن الذين يئمّون جبالنا لتقضية فصل الصيف يشعرون معنا ويهتمون لمشاكلنا وصعوباتنا". جاء هذا الكلام في إطار مداخلة مطوّلة ألقاها النائب شهيد الخوري تحت قبّة الرلمان، تُعتبر بحق من أهم ما سجّلته جلسات المجلس النيابي في موضوع الصحة والاستشفاء في لبنان.
مداخلة النائب شهيد الخوري استحقت تنويهًا من وزير الصحة الذي افتتح كلامه في تلك الجلسة بتوجيه شكر خاص للدكتور الخوري قائلاً:
وزير الصحة: إني أشكر الدكتور شهيد الخوري لما أدلاه من ملاحظات قيمة سأدرسها(6).

(6) الدور التشريعي السادس – 6 – العقد الاستثنائي الثاني – محضر الجلسة التاسعة – 1950.
أما الملاحظات التي أدلى بها الدكتور شهيد الخوري في الجلسة التاسعة المنعقدة في العام 1950، في إطار العقد الاستثنائي الثاني من الدور التشريعي السادس، فنوردها كاملة كما وردت في محاضر اجتماعات المجلس النيابي:
"باشرت وزارة الصحة اللبنانية جديًا منذ سنتين مشاريعها الصحية الحديثة من تنظيم صحي وإنشاء مستشفيات وتلقيح BCG رغم وجود بعض النقاط المتعلقة بالصحة العامة في لبنان التي سوف نأتي على تعداد بعضها.
لا يخفى أن لبنان الصغير في مساحته وعدد سكانه هو المركز الصحي والثقافي الأول في الشرق الأدنى وملجأ للبدان العربية المجاورة صيفًا وشتاء. إن الطلاب الذين يقصدون مؤسساتنا العلمية وكلياتنا العالية يحملون عند العودة إلى بلادهم ما اقتبسوه وما شاهدوه كما أن الذين يئمون جبالنا لتقضية فصل الصيف يشعرون معنا ويهتمون لمشاكلنا وصعوباتنا.
النقطة التاريخية: كان للبنان قبل الحرب الكونية شبه استقلال ذاتي ولم يكن لديه من المصالح الصحية سوى بعض أطباء مناطق يؤمّنون معالجة المأمورين والسجناء ورجال الامن. وقد روى لي مثلاً رئيس بلدية عن إصابة طاعون في منطقة جبيل فتقاضى الطبيب الرسمي بدل معاينته عشر ليرات إفرنسية ذهبية.
وبعد الحرب الكونية بدأت الحكومة المنتدبة تنظيم دوائر الصحة في لبنان فعيّن الدكتور منضور مديرًا لمصلحة الصحة وكانت مصلحتنا هذه مرتبطة بمصلحة الصحة في المفوضية الإفرنسية ولم يكن للدكتور منضور سوى دائرة صغيرة وبعض مأمورين.
وفي العام 1943 أخذت الحكومة على عاتقها التنظيم الصحي، فأعيد المجلس الصحي وقام بقسط وافر من الأعمال الصحية إذ وضع القوانين لممارسة مهنة الطب والصيدلة وطب الأسنان ألخ... وقد صدّق مجلس النواب بعضها. أما القوانين المختصة بالأمراض السارية والإتجار بالأدوية والصيدلة التي أحيلت إلى اللجنة البرلمانية الصحية، منذ شهرين فقد صدّقتها هذه اللجنة وأحيلت جميعها إلى مجلسكم المحترم.
وأذكر لهذه المناسبة إضراب الصيادلة في بيروت وما كان له من وقع وتأثيرات لم يكن مع الحالة الصحّية. فمن الجهة المعنوية، إذ إن هذه الفئة المعتبرة فئة علمية مسؤولة في الدولة تشكو إجحافًا بحق مهنة الصيدلة الشريفة ناتجًا عن عدم تطبيق القوانين المرعية الأجراء وتعليق القوانين العائدة إلى رفع شأن المهنة وإيصال الصيادلة إلى حقوقهم المشروعة. وأنا اعتقد أن الإضراب كان لهذه الغاية وليس لسواها. إني آمل بعد أن فرغت اللجنة من تصديق مشروعَي قانون الصيدلة ونقابة الصيادلة أن لا نعود إلى مشاكل من هذا النوع.
النقطة المالية: من مدة ليست ببعيدة كانت وزارة الصحة والإسعاف العام تعامل في الموازنة معاملة الطفل اليتيم. يرضى بما يعطى له. وكانت حصتها أقل حصة. لم يكن مطالبًا بتطبيق القوانين الصحية العصرية فضلاً عن أن الاعتمادات المخصصة لشؤون الصحة العامة كانت قليلة جدًا بالنسبة للاعتمادات المخصصة للإسعاف العام.
وفي العام 1945 خصصت الحكومة ثلاثين ألف ليرة للشؤون الصحية من أصل مجموع أرقام الموازنة البالغة زهاء مليونين ونصف المليون ليرة وأنفق الباقي على معالجة المرضى ومعاشات الموظفين.
وفي العام 1949 كانت موازنة الإسعاف العام ثلاثة ملايين ونصف المليون ليرة وموازنة الصحة العامة نصف مليون ليرة فقط.
النقطة السياسية: لم تكن وزارة الصحة والإسعاف في الماضي وزارة ذات أهمية بنظر بعض المستوردين نظرًا إلى قلة عدد مأموريها وقصر نفوذهم السياسي وإننا نرى للمرة الثانية وزارة الصحة والإسعاف ينتقيها وحدها وزير طبيب يعمل لرفع المستوى الصحي اللبناني مضحيًا بوقته ومهنته ومقابلاً بابتسامة تلك الاتهامات العديدة.
ونحن نطالب معالي وزير الصحة أن يواصل جهوده ويقيم المكاتب الحديثة للعناية بالأطفال والأمراض السارية والمحاجر الصحية وان يوجد مكاتب للمهندسين الصحيين وأن يؤسس مختبرات لبنانية ومستشفيات لائقة لمستوى العلم الطبي اللبناني وأن يفصل موازنة الصحة العامة عن موازنة الإسعاف العام وأن يرفع معاشات الأطباء لتصبح مماثلة لمعاشات القضاة وان يواصل إرسال الأطباء للتخصص في الدول الاميركية والأوروبية فيعودون ويعملون ضمن اختصاصهم في دوائرنا الصحية كموظفين دائمين أو كما يسميه الوزير Full – timers. ومن أهم العراقيل السياسية الظاهرة عدم توحيد المصالح في وزارة الصحة وتوزيع المسؤوليات بين الوزارات.
فهناك مثلاً مصلحة قمع الغش في المواد الغذائية والحالة الصحية في المباني والمؤسسات ليست متعلقة بوزارة الصحة إلا بطريقة غير مباشرة والشؤون الصحية من مراقبة مسالخ وأجهزة مياه ألخ... تعود خطأ إلى وزارة الداخلية. وأنا أعلم أن معالي الوزير فكر بمعالجة كل ذلك إذ أقام في المحافظات مجالس صحية محلية. فنحن نرجو أن تُزود المجالس المذكورة بصلاحيات واسعة فيمكنها من تطبيق القوانين وفرض العقوبات وتُعمم هذه المجالس على القائمقاميات وهذا ليس بالأمر العسير.
النقطة الخامسة: ليس لنا ما يقال في جميع القوانين المرعية الإجراء في جمهوريتنا وما نقوله هو هل تطبق هذه القوانين؟ وهل يعاقب المسؤول إذا تأخر عن إعلام وزارة الصحة بوقوع مرض سار.
وهل يطبق القانون بحق الذين يقومون ببناء دون الحصول على رخصة من دائرة الهندسة الصحية؟ وهل الأسرّة في مستشفيات الحكومة مخصصة دائمًا كلها لاستقبال المرضى الحقيقيين والمتألمين؟ وكم مرة يبقى المريض الذي شفي تمامًا إرضاء لبعض الخواطر؟
وهل السجناء المرسلون إلى مستشفى الحكومة فور ارتكابهم المخالفات والجنايات فيحتلون مركز المرضى هم دائمًا بحالة صحية تستدعي نقلهم إلى المستشفيات المذكورة، وفضلاً عن ذلك فكيف يمكن الحصول على إسعاف طبي في ظهيرة كل يوم وأيام العطلة.
إني أرجو أن يبقى بعض المأمورين المقيدين في وزارتهم لتأمين الحاجات الصحية واستعدادًا للطوارئ كما إني أرجو الحكومة أن تأخذ بعين الاعتبار أهلية الموظفين الصحيين دون ما اكتراث لنزعتهم السياسية والطائفية.
النقطة التهذيبية: وهذه الملاحظة أوجهها باسم لجنة التربية الوطنية إلى معالي وزيرها.
سرني أن ألفت نظر معاليه وهو الطبيب الغيور على تربية النشء اللبناني وإبادة الأمية أن يعتني بتوجيه هذا النشء توجيهًا صحيحًا كاملاً يعود بالنفع على الصحة العامة لأن أكثر متاعبنا ناتجة عن جهل السكان في بعض المناطق وقلة اهتمامهم بالشؤون الصحية كالتلقيح والتطعيم ورش قاتلي الحشرات والبعوض د.د.ت. وغيرها والنظافة الشخصية وقد تبين أن معظم إصابات الجدري تقع في المحلات التي يخيم عليها الجهل والأمية فيرفض أهلوها التلقيح لذلك يجب تلقين الشؤون الصحية في المدارس.
المدينة الصحية: لا يسعني إلا أن أشير ولو بكلمة إلى مشروع المدينة الصحية. بعد أن اشترينا الأرض اللازمة وتوضع الآن التصاميم لهذه المؤسسة التي نريدها مثالية لتعود بالخير وتؤمن المعالجة للفقراء وتجعل من لبنان مركزًا للصحة والتطبيب، أما إذا كانت الحكومة تجد بعد الدرس الكامل أن الوصول إلى النتائج لن يتم بوقت معقول فنرجوها أن تستعيض عن هذا المشروع بمشاريع أخرى تأتي بالنتيجة المطلوبة بطريقة أسرع وأسهل.
وكلمة أخيرة أوجهها إلى دولة رئيس الوزراء والحكومة الكريمة: إن المشروع الإنشائي الذي هو قيد الدرس يجب أن توزع أمواله على أسس اقتصادية وصحية سوف يتحدث عنها الزملاء الكرام، أما أنا فباسم اللجنة الصحية البرلمانية أناشدكم يا دولة الرئيس ويا أصحاب المعالي أن يخصص بالدرجة الأولى لكل منطقة تفتقر إلى مياه الشفة ما يفي بحاجتها وإلا فما الفائدة من إنشاء الكماليات والفنادق الفخمة ألخ... في بعض المدن بينما نرى قرى عديدة تعاني العطش وتضطر إلى الارتواء من المياه الملوّثة وهذه هي حالة أكثر مياه لبنان".

في محضر الجلسة الثالثة المنعقدة خلال العام 1948، تبرز معارضة النائب الدكتور الخوري للقانون المتعلق بتنظيم طب الأسنان في لبنان.

الوباء الأصفر (7)
(7) الدور التشريعي السادس – 6 – العقد الاستثنائي الأول – محضر الجلسة الرابعة – 1947.

شجّع فكرة تلقيح الأطفال، وحضّ على أخذ التدابير اللازمة لدرء خطر الوباء الأصفر عن البلاد.

من مشاريع القوانين التي أشرف على دراستها ووضعها، كما وطرحها في المجلس بوصفه مقرر لجنة الصحة في البرلمان، نذكر منها: مشروع القانون المتعلق بالأمراض المعدية في لبنان. كذلك أبصر النور على يديه مشروع قانون الصيدلة والإتجار بالأدوية في لبنان.
إثر وفاة النائبين الدكتور أنطوان سعيد وجورج هراوي، تقدّم النائبان الدكتور شهيد الخوري وعلي الحسيني باقتراح قانون بفتح اعتماد إضافي في موازنة مجلس النواب للسنة 1965، لمساعدة اولاد النائبين الراحلين سعيد وهراوي.(8)

(8) الدور التشريعي الحادي عشر – 11 العقد العادي الأول – محضر الجلسة الحادية عشرة – 1965.
وفي إطار هذا القانون قرر المجلس النيابي مساعدة والد المرحوم أنطوان سعيد بمبلغ مئة ألف ليرة لبنانية وقد أخذ هذا الاعتماد من مال الاحتياط ورصد اعتبارًا من السنة 1965، كما رصد من تاريخ تلك السنة أيضًا اعتماد سنوي قدره ألف وخمسمئة ليرة لمساعدة كل ولد من أولاد المرحوم الدكتور سعيد وذلك لإتمام دراستهم الابتدائية والثانوية والجامعية.
ومثلما طالب بإقرار قانون لمساعدة ذوي النائبين الراحلين، كذلك كان يبحث عن وسائل لمساعدة كل صاحب مطلب يتعرف إليه، وقد تلّمس ضائقة مادية يعبر في نفقتها.
تسجل بعض محاضر مجلس النواب مداخلات عدة سلطت الأضواء على رجالات كرسوا حياتهم لخدمة المجلس النيابي وطالب بإقرار مشاريع قوانين لمساعدتهم بهدف تخطي ظروفهم الصعبة. في هذا الإطار نقرأ مثلاً مطالبته المجلس بإقرار مشروع قانون بفتح اعتماد بقيمة تسعة آلاف ليرة لبنانية كمساعدة اجتماعية لتوفيق الدمشقي المعاون المفوض في شرطة مجلس النواب، الذي أصيب بتفرح قديم في قرنية عينه اليمنى مما أحدث فيها غشاء كثيفًا أضعف فيها حاسة البصر. وقد أجريت له عملية جراحية دون جدوى، ذلك لأن حالته تستوجب إجراء عملية نقل القرنية حيث يصعب القيام بها في لبنان. فتحتم عليه السفر إلى الخارج للمعالجة. وكانت وزارة المالية قد أمنت له سلفة قدرها أربعة آلاف وخمسمائة ليرة من أصل عشرة آلاف ليرة كلفة نفقات العملية الجراحية. فإذا بالنائب الدكتور شهيد الخوري يرفع قضيته إلى المجلس النيابي ويطالب بمساعدة الرجل الضرير (9)

(9) الدور التشريعي الحادي عشر – 11 – العقد العادي الأول – محضر الجلسة التاسعة – 1966.
طوال حياته لم يتعاط مع الشأن العام إلا كإطار لخدمة المصلحة الوطنية. وهو لم يتوسّله أداة كسب شخصي.
تمسّك بالعدالة لاسيما الاجتماعية منها، وآمن بالعلم وطالب بالمساواة بين المناطق كافة.
واكب منجزات عمرانية واجتماعية وإدارية وتنظيمية عديدة تحققت بُعَيْد الاستقلال بفترة زمنية وجيزة وقياسية، فسهر على حمايتها، إرساء لدولة الاستقلال والمؤسسات على أسس ثابتة وحديثة. كما في الداخل، كذلك خارجيًا، عايش ظروفًا إقليمية صعبة ودقيقة.
كان شهيد الخوري أحد النواب المعترضين على المذكرة التي رفعها سيادة المطران اغناطيوس مبارك إلى لجنة التحقيق التي أوفدتها منظمة الأمم المتحدة لدرس قضية فلسطين (10)

(10) الدور التشريعي السادس – 6 – العقج الاستثنائي الأول – محضر الجلسة الثالثة – 1947.
في آرائه حول سياسة لبنان الخارجية، لم نلحظ أي مركب نقص أو عقدة، نتلمسها في تصريحات العديد من السياسيين الآخرين.
آمن بريادة لبنان في العالم العرب ودوره كوسيط بين الدول العربية وسائر مكوّنات الأسرة السياسية الدولية.
في عرفه، الانفتاح على حضارات الشعوب ومعالم ازدهار البلدان ضرورة أساسية، شرط عدم التعارض مع أصالة تقاليدنا اللبنانية وعاداتنا وأخلاقنا وأعرافنا. (إعداد: أنطوان فضّول)