وديع الخازن
في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى الشيخ وديع الخازن
وزير سابق، رئيس المجلس العام الماروني. مواليد بعبدات، في 14 آب 1945، بُعيد نيل لبنان استقلاله. والده الشيخ نمر نجيب الخازن، ووالدته الشيخة لولو شهيد فضّول. متأهل من ماري مادلين جورج خليل منذ 16 حزيران 1969، ولهما ولدان: إيلي (مهندس) وشيرين.
نشأ في أحضان عائلة جمعت إلى العراقة التاريخية، أصالة الانتماء الوطني والمسيحي. وقد احتضنت بيروت تنشئته الدراسية حيث تنقل بين صروح ثلاثة من صروحها التعليمية هي على التوالي: مدرسة الفرنسيسكان ومدرسة اليسوعية ومعهد فرير الجميزة.
اما تخصصه الجامعي فأنجزه في الولايات المتحدة الأميركية حيث التحق بجامعة جورج واشنطن سنة 1964، وتخرّج سنة 1968 حائزًا شهادة الماجستير في إدارة الأعمال، عاد بعدها إلى لبنان حيث بدأ يشق طريق مستقبله، كما أنّه نشط فور عودته في الرياضة ، فأسهم في تفعيلها ونهضتها على مستوى الوطن بكامله لاسيما خلال فترة ترؤسه نادي الراسينغ الرياضي اللبناني سنة 1969.
دخل غمار السياسة من الباب الحزبي وقد وقع خياره على الكتلة الوطنية، رأى في نهجها ورؤيتها اجوبة عن خياراته وهو الآتي من اميركا مشبعًا بثقافة التقدّم والتطور والحداثة واقتحام الآفاق.
انضم إلى كوادر الحزب سنة 1968 والبلاد محاطة بضبابية قاتمة السواد تؤشر إلى تصدعات وزلزلة وانهيارات.
اكتسب حكمة المراقبة ودقة القراءة الموضوعية وصلابة المواجهة وحنكة السير فوق الألغام.
الدخول في نفق الحرب، بقدر ما كان وضعية مرفوضة من حزب الكتلة الوطنية، بقدر ما انعكس وبالاً على أعضائه المنضوين تحت لوائه.
إلا أن الإيمان بصوابية ثقافة السلام والتعايش من جهة، والتضحية في سبيل وحدة لبنان واستقلاله وسلامة أراضيه من جهة اخرى، كانا المحورين اللذين استمد منهما الشيخ وديع الخازن روح الثبات في الموقف الوطني والتمسك بالمبادئ السيادية، بانتظار بزوغ فجر الخلاص وإشراقة شمس التحرر.
مع ولادة السنة 1990، كان لبنان يبدأ بنفض غبار الحرب عنه ويسير في طريق واعد عابق بوعود الإعمار، في وقت كان المجتمع المسيحي عمومًا، يخرج من كبوته محبطًا، منهارًا، منغلقًا على ذاته، مسدود الآفاق.
في مسعى إلى تجديد بنيته وواقعه، عمد حزب الكتلة الوطنية إلى إعادة نسج كوادره وقيادته ورسم سياسته والانطلاق بمسيرته بصيغة جديدة وروح متجددة تتلاءم وواقع البلاد المستجد.
في هذا الإطار وقع الخيار على الشيخ وديع الخازن ليكون احد اعضاء اللجنة التنفيذية، يشارك في حركة النهضة الشاملة التي قرر العميد ريمون إدّه أن ينفح بها خلايا حزبه المتآكل.
بهذه الروح وافق على تولي منصبه الجديد، لكنه استقال منه السنة 1996، بعد أن أدرك أن جهوده الحزبية لن تؤتي ثمارها، ففضّل النضال في السياسة مستقلاً.
خرج من قلب الحزب دون ان يخرج عليه، بل، من موقعه الجديد، فتح خطوطًا كانت مغلقة في وجه العميد إدّه، بما في ذلك التعاطي مع جمهورية ما بعد الطائف والمرجعيات السورية. علمًا انه لعب دورًا رئيسًا في استمرارية التواصل بين الصرح البطريركي والعميد ريمون إدّه.
في وقت احتاج المجتمع المسيحي إلى الاعتدال والاتزان، كان الخازن أحد وجوههما. لكنّه بدا كالطائر الذي يغرّد خارج سربه والذي في نهاية المطاف كان أحد رواده وقادته الذين شقوا امامه طريق المستقبل الآمن والمستقر.
مع توالي السنين، صار النهج الذي تبناه الخازن منفردًا، مسارًا سار عليه المجتمع المسيحي بأكمله، الامر الذي اعطى حضوره في السياسة والمجتمع دفعًا استثنائيًا ومكانة خاصة تمت ترجمتهما من خلال خطوتين محوريتين، الأولى تمثلت بتعيينه وزيرًا للسياحة في 18 شباط السنة 2005 في حكومة الرئيس عمر كرامي، والثانية بانتخابه رئيسًا للمجلس العام الماروني في كانون الثاني 2006 بعدما كان شغل منصب نائب الرئيس طيلة عشر سنوات، من السنة 1989 حتى السنة 1998. وبعد قرابة عقدين من الزمن، في خدمة المارونية ورئاسة مجلسها العام، أنهى خدمته فخلفه في رئاسة المجلس المهندس ميشال متّى.
نشط من موقعه الجديد في مواكبة المجتمع الماروني نحو مستقبل مستقر من خلال طرح برامج عصرية واعدة وتلطيف الأجواء الساخنة ومعالجة الشرخ المزمن والكبير الذي يعانيه والذي ينعكس سلبًا على موقعه ودوره وحضوره.
في قراءة معمقة لاستراتيجية المجلس العام الماروني طوال عهده، تتكوّن لدينا فكرة واضحة عن الأثر البليغ الذي يتركه فيه بحيث جعل منه ركنًا رئيسًا من أركان الطائفة المارونية يساهم في رسم سياستها وتعبيد الطريق أمام أبنائها المقيمين والمنتشرين نحو حالة ثابتة من النمو والتضامن والتوحّد.
تميّز بإدارته الشفافة وأدائه السياسي المرن وحكمته في تدوير الزوايا ومقدرته على مخاطبة الرأي العام بلغة جامعة ومنطق بنّاء ورؤية موضوعية. إلى ذلك، لا يزال يحظى باحترام جميع الأطراف، يبادر معهم يوم يختلفون فيعيد إلى الأداء السياسي اتزانه ورويته ويملأ فراغًا يعجز سواه عن ملئه.
كما في الداخل، هكذا عرفه الانتشار اللبناني عمومًا والمسيحي خصوصًا مرجعًا وناطقًا باسمه يطالب بحقوقه ويعبّد له الطريق إلى آذان المسؤولين والمرجعيات والإدارات كافة. وفي الوقت عينه، يتواصل مع مختلف أجزاء الانتشار بعيدًا عن أي تمييز او تحيّز أو تفرقة، ويتعاطى معه بحركة جامعة تقفز فوق التناقضات والخلافات والانقسام.
حصد العديد من الاوسمة وشهادات التقدير والجوائز الدولية منذ فجر نشاطه السياسي، منها الوسام الفرنسي من رتبة فارس عام 1970، والوسام الفرنسي من رتبة ضابط عام 1973، ووسام الأرز الوطني من رتبة ضابط اكبر عام 2006.
لقد واكبته الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية، فحفظت له منابرها وصفحاتها مواقف مبدئية من مجمل القضايا والمسائل لامس بها مختلف الشؤون الداخلية والإقليمية والدولية.
يتحرّك الشيخ وديع الخازن في زمن الإحباط، فيسجل المواقف المشرفة يوم يعجز الآخرون عن التحرك. وعند كل منعطف، تراه يدلي برأي وطني يبقى راسخًا في ذاكرة الأمة المارونية كما الشعب اللبناني برمته، يعودون إليه كلما تلبدت الأجواء من حولهم فيساعدهم في اختيار الخيارات القابلة للحياة والمنقذة للبلاد.
(إعداد: أنطوان فضّول)